صندوق النقد الدولي والنمو الاقتصادي الخليجي
خيرا فعل صندوق النقد الدولي برفع مستوى النمو الاقتصادي المتوقع لدول مجلس التعاون الخليجي من 5.2 في المائة إلى 7.8 في المائة لعام 2011. ويعود هذا التغيير الإيجابي بشكل أساسي إلى حدوث تطورات في القطاع النفطي، تحديدا ارتفاع مستويات الأسعار وتعزيز الإنتاج النفطي.
حقيقة القول، يعد القطاع النفطي حجر الزاوية بالنسبة لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي من حيث تشكيله نحو ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة العامة والصادرات، فضلا عن ثلث الناتج المحلي الإجمالي. وعلى هذا الأساس، هناك علاقة طردية بين تطورات الأوضاع في القطاع النفطي من جهة، والأداء الاقتصادي الخليجي من جهة أخرى.
ارتفاع أسعار النفط
من شأن ارتفاع أسعار النفط، فضلا عن مستوى الإنتاج النفطي، إفساح المجال أمام زيادة حجم إنفاق القطاع العام، وهذا ما حدث فعلا. ويبدو هذا جليا من خلال قرار قطر رفع مستوى الصرف بواقع 25 في المائة إلى 38.5 مليار دولار للسنة المالية 12/2011، التي انطلقت بداية نيسان (أبريل). بدورها، قررت السعودية بقرارات صادرة من خادم الحرمين الشريفين تخصيص مبلغ قدره 130 مليار دولار بغية الصرف على مشاريع تنموية واجتماعية مختلفة وتوفير فرص لعشرات الآلاف من المواطنين. طبعا، يضاف هذا الرقم إلى نفقات السنة المالية 2011 المقدرة بنحو 155 مليار دولار.
بكل تأكيد هناك علاقة مباشرة بين نفقات القطاع العام والنمو الاقتصادي نظرا للأهمية النسبية الكبيرة للدولة في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. تقليديا، شكلت نفقات القطاع العام نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي، لكن ارتفعت هذه النسبة لنحو ثلث الناتج المحلي الآونة الأخيرة. كما من شأن تعزيز المصروفات العامة تشجيع مستثمري القطاع الخاص على اتخاذ خطوات مماثلة، الأمر الذي ينصب في مصلحة رفع مستوى الأداء الاقتصادي بشكل عام. تقليديا أيضا، يلعب القطاع العام دورا قياديا في الاقتصادات المحلية، خصوصا وقت الأزمات، ومنها الفترة الحالية المتمثلة في التكيف مع التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية.
سياسة مالية محافظة
فيما يخص متغير سعر النفط، كما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي، تفترض دول مجلس التعاون الخليجي أسعارا متدنية نسبيا لبرميل النفط عند إقرار الميزانيات العامة كنتيجة طبيعية لتبني سياسيات مالية محافظة متأصلة. فقد افترضت قطر متوسط سعر قدره 55 دولارا للبرميل عند إعداد ميزانية الدولة للسنة المالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ قبل عدة أسابيع فقط. يقل الرقم المفترض عن الأسعار السائدة في الأسواق الدولية بهامش كبير، حيث من المتوقع أن يبلغ نحو 107 دولارات للبرميل في المتوسط بالنسبة لعام 2011. بدورها، تبنت الكويت التي تشترك مع قطر فيما يخص بدء وانتهاء السنة المالية، متوسط سعر قدره 60 دولارا للبرميل، أي أقل بكثير من الأسعار العالمية.
وحدها البحرين بين سائر شقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي افترضت متوسط سعر مرتفع نسبيا، أي 80 دولارا للبرميل للسنتين الماليتين 2011 و2012. من جملة الأمور، تتميز البحرين بنشر أرقام ميزانية سنتين ماليتين في آن واحد لأسباب تشمل منح مستثمري القطاع الخاص فرصة معرفة أوجه مصروفات القطاع العام لفترة زمنية طويلة نسبيا. لكن ربما لا تصلح سياسية تبني ميزانية سنتين في عصر العولمة، حيث توجد فرضية حدوث تقلبات مادية وبشكل سريع.
الإنتاج النفطي
بالنسبة لمعيار الإنتاج النفطي، كما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي، تتربع دول مجلس التعاون الخليجي على عرش تصدير النفط من جهة، والقدرة على تعزيز الإنتاج النفطي من جهة أخرى. تعد السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط الخام، بل تلعب دورا حيويا في رفع الطاقة الإنتاجية متى ما كان ضروريا لضمان ديمومة الاقتصاد العالمي كما هو الحال مع التعامل مع الأحداث في ليبيا. بل يلاحظ تمكن صغار الدول المصدرة للنفط بتعزيز قدراتها الإنتاجية في الآونة الأخيرة، بدليل نجاح عمان في رفع مستوى الإنتاج من 710 آلاف برميل يوميا في 2007 إلى 900 ألف برميل يوميا في 2011، على خلفية الشراكة مع شركات النفط العالمية. بدورها، نجحت البحرين في رفع مستوى إنتاج حقل البحرين المحلي من نحو 30 ألف برميل يوميا في 2009 إلى 32 ألفا في 2010 وصولا إلى 66 ألفا في 2014، وذلك في إطار اتفاقية التطوير والمشاركة في الإنتاج مع تحالف ''أوكسيدنتال'' الأمريكية و''مبادلة''.
ختاما، نرى صواب قبول دول مجلس التعاون الخليجي نصيحة صندوق النقد الدولي بخصوص توظيف الفوائض النفطية بقصد تقليص الاعتماد على القطاع النفطي في نهاية المطاف. فحسب توقعات الصندوق، يتوقع أن يرتفع حجم الفائض في الحساب الجاري لدول مجلس التعاون الخليجي من 136 مليار دولار في 2010 إلى 304 مليارات دولار في 2011.
باختصار، الفرصة مواتية في هذه الفترة لتطبيق برنامج إصلاح اقتصادي شامل في ظل وجود الفوائض النفطية التي بدورها توفر نوعا من الضمان عند حدوث أخطاء في التنفيذ. المطلوب عدم تفويت هذه الفرصة التاريخية لتنويع الاقتصادات الخليجية.