القرار الخليجي .. تتويج لانتصار العقلانية السياسية

لا يكاد شارع أردني طوال العام يخلو من سيارة خليجية، وكذلك الحال في المقاهي والمطاعم، دائما هناك ما يذكر بوجود ضيوف من دول الخليج، وفي عمان وإربد والكرك ومعان، من العادي جدا أن ترى سيارات بلوحات سعودية وكويتية وقطرية وبحرينية وإماراتية وعمانية طوال العام، وكلما تمعنت في التفاصيل ستجد أن هناك أواصر مشتركة وعلاقات قربى ونسب، وعائلات وقبائل في مشترك دائم، وهكذا دواليك نشأت في الأردن علاقات وطيدة مع مواطني دول الخليج والسعودية تحديدا عبر شبكة الطلبة وأساتذة الجامعات، هذا إلى جانب علاقات الأردن العسكرية والتعليمية المشتركة.
ونتيجة لوجود مجتمع الطلبة الخليجي نمت المطاعم الخليجية وملأت عمان، وفي الأردن استثمار خليجي ناجح، فدولة مثل الكويت تتصدر قائمة الاستثمار العربي الخليجي في الأردن، وهناك مشاريع سعودية ناجحة، فأهالي منطقة تبوك والقريات وحائل هم من حمام الدار ـــ كما يقال، وكلما اقترب الصيف بات الأردنيون على موعد مع اقتراب عودة الأصدقاء أو الأبناء القادمين من الخليج.
دول عربية أخرى تشاطر الأردن تلك العلاقة مثل سورية ومصر ولبنان، لكن ما المختلف أردنيا؟ الجواب في بنية الطبقة السياسية الحاكمة، والبنية المجتمعية المرتكزة إلى العشيرة والقبيلة، والممتدة بين الأردن ودول الخليج العربي، التي رغم أنها تطورت في الأردن عبر التعليم، لكنها ظلت تمثل وحدة أساسية في مجتمع الدولة، وهذا مشابهه للبنية السياسية والمجتمعية في دول الخليج العربي.
جاء القرار الخليجي بدعوة الأردن لإرسال وزير خارجيته للتفاوض في مسألة الضم، تتويجا لذلك الانسجام، وهو يعكس مسارا جديدا في العلاقات العربية ـــ العربية في ظل الحديث عما يسمى انتهاء مقولة النظام العربي أو المجال العربي، وفي ظل صعوبة الالتقاء عربيا حتى ولو في قمة اعتيادية. وفي ظل تصاعد التهديد الإيراني للمنطقة العربية، وفي ظل بلوغ التحديات الاقتصادية والسياسية أقصى مدى لها في دول الجوار الخليجي مثل اليمن وسورية والعراق، التي صارت مسرحا تلعب فيه القوى الإقليمية الكبرى، إضافة إلى تصدر تركيا لعب دور الطرف الضامن لاستقرار المنطقة، لذا كان هناك إحساس خليجي بمساعدة أشقائهم في الأردن والمغرب.
القرار الصادر عن اجتماع دول مجلس التعاون العربي بالتوسع غربا لضم الأردن والمغرب إلى منظومة المجلس، أكد قوة مجلس التعاون العربي كحالة أفضل في مشاريع التعاون والوحدة العربية، في الوقت الذي انتهت فيه المشاريع الوحدوية الأخرى إلى التاريخ ومنها ما هو باق لكن على نحو أضعف مثل اتحاد دول المغرب العربي، الذي يعاني أيضا مشكلات بين الأعضاء أنفسهم ومسائل سياسية لم تحسم بعد، هذا إلى جانب الظرف السياسي والحراك السياسي المختلف عن دول المشرق العربي.
ففي حالة المغرب، فإنها رغم البعد الجغرافي والاختلاف الثقافي والمجتمعي إلا أنها متشابهة من حيث البنية السياسية مع اختلافات في جوانب مختلفة، وانضمامها لن يكون كاملا بقدر ما تكون له عوائد اقتصادية وسياسية، أما في السياق الأردني فقد تكون الفرصة أفضل نتيجة لأسباب عدة أولها القرب الجغرافي وتشابه البنية الثقافية وتجانس المجتمع الأردني مع المجتمعات الخليجية، وطبيعة الدولة السياسية، إضافة إلى أن الأردن يعد حديقة متقدمة لدول الخليج من حيث فرص الاستثمار الموجودة فيه، التي يشجع عليها الاستقرار السياسي والأمني في الأردن، إلى جانب البنية البشرية المدربة والعمالة المنضبطة المؤهلة في الأردن التي يمكن أن تسهم بشكل مباشر في مجال التنمية الاقتصادية والثقافية، خاصة المساهمة في مؤسسات التعليم الخليجية.
القرار الخليجي يعتبر تتويجا لانتصار العقلانية السياسية الخليجية وتحقيقا لمبادئ التعاون عبر توسيع دائرة المصلحة السياسية، فالدول تتعاون معا عبر دائرة المصالح المشتركة التي يمكن أن تحقق الإفادة لطرفي المعادلة، والأردنيون الذين رحبوا بالقرار لا يرونه سيحقق لهم الثراء أو يسمح بتدفق المساعدات المالية بكثافة، لكن سيسمح بوضع إطار واضح وممنهج لعلاقة طويلة ومستقرة بين الأردن ودول الخليج.
بلا شك القرار أحدث نشوة سياسية في الشارع الأردني، والأردنيون لا يرون فيه منة خليجية بقدر ما يرون فيه تقديرا عاليا لإسهامهم في بناء وطنهم الذي يعد عربيا من الأعلى تعليما ومعرفة وبنية مؤسسية قياسا إلى الموارد، وهو الأكثر استقرارا من الناحية الأمنية، والأعلى انسجاما من حيث الكتلة الاجتماعية، ومع قلة الموارد الأردنية بنى الأردنيون كل ذلك الإنجاز، ولن يشكل الضم الأردني عبئا بقدر ما سيمثل إضافة نوعية، فالكتلة البشرية المدربة وذات التأهيل المعرفي والجدية إن أضيف لقوتها المعرفية قوة المال فإنها ستكون في مصلحة الجميع، بمعنى أكثر وضوحا مجلس التعاون الخليجي لم يقرر ضم الأردن لأنه بلد متعثر في حاجة إلى معلمين وبناء مدارس أو مراكز صحية، أو حملات توزيع أدوية، لا، فمجلس التعاون قدر مصالحه الجيوسياسية وهو ينظر بتقدير لإنجازات الأردن ولقيادته السياسية.
لكل ذلك أعربت الحكومة الأردنية عن تطلعها إلى ''مواصلة الحوار'' بين وزير خارجيتها ناصر جودة ونظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي لـ ''استيفاء متطلبات انضمامه إلى المجلس''. وقال وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، في تصريح صحافي عقب القرار: ''الأردن الرسمي والشعبي يرحّب بالمبادرة الخليجية، ويرى في انضمامه إلى المجلس تتويجاً لعلاقات تعاون تعود إلى عقود مضت''. وبيّن جودة أن جهود قادة دول الخليج والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد ''أثمرت هذا التقارب''، مشيراً إلى ''العلاقات الأردنية ـــ الخليجية الوثيقة، وتطلع عمان إلى عضوية المجلس''.
وحول الحوار المرتقب، قال جودة إن ''تنسيقاً سيجريه مع نظرائه الخليجيين للبدء في مفاوضات استيفاء متطلبات انضمام الأردن''. القرار الخليجي ـــ بحسب اقتصاديين أردنيين ـــ ستكون له انعكاسات اقتصادية كبيرة على الأردن، فدول الخليج يهمها أمن واستقرار المملكة، وهو مرتبط بالرفاه الاقتصادي، فالأردن دولة تستورد كل احتياجات الطاقة من الخارج، وهذه المواد فيها وفرة في دول الخليج، ما يُمكن عمان من أن تحظى بمعاملة تفضيلية من ناحية السعر ويخفف ذلك العبء عن كاهل موازنة الحكومة. ويمكن أن يسهم القرار في حل معضلة البطالة في الأردن، ففي الخليج مشاريع مستمرة وبناء مستمر في القطاعات كافة، والعمالة الأردنية مؤهلة لأن تقوم بدور مهم، وهو ما سيزيد من عائدات المغتربين التي ترسل إلى الأردن، وهذا يرفده بعملات صعبة.

أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي