الشيكات قبل الإسلام

وجدت الحسابات غير النقدية في مرحلة ما قبل الإسلام، فالعرب عرفوا الشيك أو الصك منذ السنوات الأولى للإسلام. واستطاعت تلك الآلية أن تؤمن إمكانيات لم تعهد من قبل، بالنسبة لتجارة الجملة الواسعة. وكان يطلق على العملية، السفتجة أو الحوالة، والتي تعني الرسالة ذات الطابع العملي التي تطالب بدفع مبلغ معين لمبرز الرسالة. وكانت ضمانة تلك الرسالة تكمن في العلاقة الشخصية بين المرسل والمرسل إليه. وتطورت العملية فيما بعد لتصبح كمبيالة، عندما يظهر شخص ثالث يضمن الإمكانية في دفع أي مبلغ مهما كان. وقد ذكر المؤرخون أن التجار كانوا يتركون أشياء ذهبية أو فضية عند صيارفة ذلك الزمان ويستلمون وصلا. وكان التاجر يستخدم طيلة فترة وجوده في المدينة، إيصالات الصيارفة في كل مكان ولا يحتاج إلى حمل نقود معدنية. ويشتري كل ما هو بحاجة إليه وبدل التسديد يقدم شيكا يعود على الصيرفي ذاته. وكانت الفوائد المصرفية على تلك الشيكات بحدود 6 في المائة وقد تصل إلى 10 في المائة إذا كانت هناك اضطرابات أو حروب. وقد سعى التجار إلى توظيف أموالهم لتأمين أنفسهم من نوائب الدهر والصدف. وكانت الطريقة الأكثر أمنا لاستثمار رؤوس الأموال، هي شراء الممتلكات غير المنقولة والأراضي، حيث اعتبر ريع إيجارها مورد الحياة الأكثر أمنا. وكان السلاطين أكبر ملاك للأراضي في المدن ولم يتركوا شكلا من أشكال المشاريع الرابحة إلا امتلكوه. وكان ريع إيجار الدكاكين والمبيت في الفنادق مرتفعا جدا في القرن الثاني عشر. وفي حلب وصلت إيرادات نزل خان سلطان الشهير، إلى 100 ألف درهم سنويا متجاوزة الإيرادات الضريبية للدولة. وكانت أسعار الأراضي في مركز المدينة أغلى مئات المرات من الأراضي الزراعية. وانتشرت بيوت الإيجار بعد أن شهدت المدينة ارتفاعات صاروخية في أسعار العقار والأراضي المحيطة .. وكان هناك نوع من المزايا الضرائبية لأهل المدن، فبينما كانت تفرض ضريبة الخراج على الأراضي المزروعة، لم تفرض أية ضرائب على أراضي المدينة. وكان هناك اهتمام أكبر بالقوانين التجارية أكثر منها في العلاقات الزراعية. وقد شجعت الأعراف التجارية والاجتماعية في رفع قيمة حياة ابن المدينة الميسور.
اللافت أن الكثير من الدراسات والقصص التي تحدثت عن حياة المدينة الشرقية في القرون الوسطى كانت تركز على الجانب الاستهلاكي والتجاري أكثر من الجانب الحرفي والإنتاجي. وتعكس مؤلفات أبي حنيفة محمد الشيباني حول الفترة ما بين 745 و 805، آراء أهل المدن عندما كانت الدولة القوية تضمن حياة هادئة لساكن المدينة المتوسط الحال، حيث سمحت الإيرادات الضريبية القادمة من الريف، سمحت للدولة بألا تضغط على أبناء المدن. ولذلك استشرت ظاهرة تعالي التجار والميسورين على فئة المحاربين البسطاء والمزارعين. ولا يتحدث رجالات ذلك الزمان عن الفلاحين والخراج ومئات الألوف من الفقراء. ويكتب تلميذ الشيباني في إحدى الحالات أن الانشغال بالزراعة هو أكثر جدارة من التجارة، ولكن يظهر في النهاية أن ما يقصده ليس عمل المزارع بل الإيرادات الناتجة عن ملكية الأرض. كما يشير الشيباني إلى الإجراءات الساذجة التي كانت تلجأ إليها الحكومة لمنع الاحتكار وزيادة أسعار الحبوب، بأنها كانت ترسل المنادين ليوصوا الناس بعدم شراء كميات كبيرة من تلك السلع أو تأمر التجار بأن يوسعوا مكيال القمح بمقدار الربع، لكن الكتب لم تذكر أي تدخل للدولة لتحديد سعر القمح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي