مالية عامة محافظة في الكويت

تتميز الكويت من بين سائر الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بتبني سياسات مالية محافظة بشكل نوعي. والإشارة هنا إلى اعتماد أرقام منخفضة للإيرادات ومرتفعة فيما يخص النفقات العامة كما تبين من النتائج الأولية للسنة المالية 2011-2010، التي انتهت في آذار (مارس). تبدأ السنة المالية في الكويت في نيسان (أبريل) وتنتهي في آذار (مارس) كما هو الحال مع قطر.

مضاعفة الإيرادات
كشفت الأرقام غير النهائية عن ارتفاع حجم الإيرادات لأكثر من الضعف إلى 74.8 مليار دولار. عادة تقوم السلطات بإعادة غربلة بعض الأرقام قبل الإعلان الرسمي عن نتائج السنة المالية كجزء من السياسة المالية للدولة. على سبيل المثال، هناك مسألة استقطاع 10 في المائة من إيرادات الخزانة العامة للدولة لصندوق خاص للأجيال القادمة في إطار سياسة ضمان حصول مختلف الأجيال على حقهم من ثروات البلاد.
عموما، حدث هذا الارتفاع الكبير في مستوى دخل الخزانة العامة على خلفية افتراض متوسط سعر قدره 43 دولارا للبرميل أي أقل بكثير من الأسعار السائدة في الأسواق العالمية. كما هو مشهور، يسهم القطاع النفطي بأكثر من 85 في المائة من إيرادات الخزانة العامة، ما يعني أن تطورات الأوضاع في سوق النفط العالمية تترك أثرها على نتائج المالية العامة للكويت. تشمل سلبيات هذه المسألة جعل المالية العامة للدولة تحت رحمة التطورات في سوق القطاع النفطية، التي بدورها تخضع لقوانين العرض والطلب والأمور الأوضاع السياسية في العالم ورغبات المستثمرين.

تراجع النفقات
لا شك أن الكويت تعتبر دولة نفطية وعضوا في منظمة أوبك، لكنها لا تمتلك قدرة التأثير في أسعار النفط لأسباب مادية. استنادا إلى تقرير حديث لشركة بريتيش بتروليوم حول إحصاءات النفط والغاز، تستحوذ الكويت على نحو 2.5 في المائة من الإنتاج النفطي العالمي. في المقابل، تسيطر السعودية على أكثر من 10 في المائة من الإنتاج النفطي العالمي، بل تعتبر المملكة أكبر دولة مصدرة للنفط الخام.
وحسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، بلغ سعر متوسط النفط الخام 88 دولارا للبرميل في عام 2010 وليس من المستبعد أن يرتفع لحد 107 دولارات للبرميل في 2011. وكدليل على استمرار نهج السياسة المحافظة، أعدت الكويت ميزانية السنة المالية 2012-2011 التي بدأت قبل عدة شهور بمتوسط سعر قدره 60 دولارا للبرميل، أي أقل بكثير من الأسعار السائدة والمتوقعة في أسواق النفط العالمية.
إضافة إلى ذلك، انخفضت قيمة النفقات العامة بنحو الربع إلى 44.4 مليار دولار ربما لأسباب لها بحالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا برمتها. وعلى هذا الأساس، تم تسجيل فائض مالي دفتري قدره 30.3 مليار دولار. مؤكدا، يعد هذا الرقم كبيرا كونه يشكل نحو 23 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للدولة. لكن سيكون الحجم الفعلي للفائض المالي أقل بعد احتساب بعض الأرقام الأخرى مثل احتياطي الأجيال.
ويمكن الزعم بأنه ليس من الصواب بالضرورة النظر لمسألة تسجيل فائض في الميزانية بشكل إيجابي لأن ما حدث عبارة عن عدم التخطيط بشكل دقيق للتوقعات المالية، وبالتالي تفويت فرصة الإعداد لمشاريع تنموية محددة. مؤكدا، من الأفضل إجراء دراسات مستفيضة للمشاريع المزمع تنفيذها للسنة المالية وليس توظيف الفوائض النفطية في مشاريع لم تأخذ حقها من التمحيص.
توظيف الفوائض
من جملة الأمور، نأمل أن يتم توظيف الفوائض النفطية لتقليل الاعتماد على القطاع النفطي، وبالتالي تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الكويتي. حقيقة القول، تتمتع كل دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء البحرين بأداء أفضل من الكويت على مؤشر التنافسية.
باختصار، حلت الكويت في المرتبة رقم 35 دوليا في تقرير التنافسية لعام 2011-2010 الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي. في المقابل، حلت كل من قطر والسعودية والإمارات وعمان في المراتب 17 و21 و25 و34 على التوالي. تعتبر نتيجة قطر الأفضل بين الدول العربية والإسلامية قاطبة. يعتمد المؤشر على 12 متغيرا من قبيل البنية التحتية والاقتصاد الكلي والصحة والتعليم والتدريب وكفاءة سوق العمل، تطور سوق المال، الجاهزية التقنية وحجم السوق والتطور والابتكار.
كما تتأخر الكويت من بين سائر دول مجلس التعاون الخليجي فيما يخص القدرة على استقطاب الاستثمارات الأجنبية كما كشف ذلك تقرير الاستثمار العالمي لعام 2010، الذي أصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد). فقد استقطبت الكويت استثمارات أجنبية قدرها 145 مليون دولار في 2009 مقارنة بـ 35.5 مليار دولار بالنسبة للسعودية، فضلا عن 8.8 مليار دولار لقطر في الفترة نفسها.
تعرف الاستثمارات الأجنبية المباشرة بتلك الطويلة الأجل، وتعد مقياسا على مدى وجود ثقة لدى المستثمرين الأجانب بالنسبة لاقتصادات الدول الأخرى. وحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومقرها باريس، استقطاب الاستثمارات الأجنبية يعتمد على البيئة التجارية وحجم السوق ونوعية البنية التحتية المتوافرة وإنتاجية العمالة.
ختاما، الأمل كبير في توظيف الفوائض المالية لتنويع الاقتصاد وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الكويتي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي