مكافحة الفساد من أهم مقومات الحياة المستقيمة (7)

الحمد لله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والصلاة والسلام على الهادي الأمين، وبعد، فإنه تواصلا مع ما سبق أن كتبته في المقالات الستة السابقة في هذه الصحيفة (أسبوعيا) على التوالي، يسعدني أن أتناول بالنقاش والتحليل والإيضاح الفقرات الواردة تحت عنوان (الآليات) البند (رابعا) من الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ويمتد الكلام عما ورد في تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الموافق عليه بقرار مجلس الوزراء الموقر رقم (165) وتاريخ 28/5/1432هـ، لوجود ترابط موضوعي، ومحاولا الإيجاز قدر المستطاع دون إخلال أو قصور أو تقصير في الإيضاح المفيد الذي أنشده من كتابة المقالات بشكل عام، وفي موضوع مكافحة الفساد بشكل خاص، فأقول وبالله التوفيق:
سأبدأ باستكمال الحديث عن (البند ''رابعا'' الآليات) من الاستراتيجية بكتابة النص بين قوسين كالمتبع في المقالات السابقة، ثم التعليق عليه.
(رابعا: الآليات: إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد تتولى المهمات التالية:
أ - متابعة تنفيذ الاستراتيجية ورصد نتائجها وتقويمها ومراجعتها، ووضع برامج عملها وآليات تطبيقها).
بحكم المواطنة، وباعتباري مواطنا عاديا متخصصا في مجال دراستي في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، فقد شد انتباهي ما حصل في بعض الدول العربية من اضطرابات وثورات داعية إلى محاربة الفساد والإصلاح بما ينقذ بلدانهم من الفوضى والاضطراب، واختلال الأمن والاستقرار، فتأثرت وتألمت كثيرا لهذا المآل الخطير، ودعوت الله أن يحمي وطني العزيز من كل شر، وعبرت عما يجول في خاطري بمقال بعنوان (الفساد .. سبب لاختلال الأمن وعدم الاستقرار) نشر في هذه الصحيفة بتاريخ 1/4/1432هـ الموافق 6/3/2011، وغاية ما أقصده من هذه الإشارة إلى هذا المقال، أنني حمدت الله على اهتمام قيادتنا العليا (الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - أطال الله في عمره وحفظه من كل مكروه) بالقيام بإصلاحات كثيرة نافعة ومفيدة - بإذن الله، ومن ذلك الموافقة على الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وتمنيت في المقال إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لمتابعة تنفيذ الاستراتيجية بحيث يرتبط رئيسها بالملك مباشرة، ويكون الرئيس المختار من المؤهلين المشهود لهم بالصدق في التعامل، والأمانة والحياد والاستقلالية، والكفاية والمقدرة، وأثلج صدري ما تحقق في الإصلاحات المتوالية عندما صدر من ضمن الأوامر الملكية الأمر الملكي الكريم رقم (أ/65) بتاريخ 13/4/1432هـ بإنشاء الهيئة، واختيار معالي الأستاذ محمد عبد الله الشريف، وعبرت عن سعادتي في مقالي المنشور في هذه الصحيفة بعنوان (إصلاحات متوالية لتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية) بتاريخ 22/4/1432 هـ الموافق 27/3/2011.
وهذه الهيئة ستقوم بدورها في متابعة تنفيذ الاستراتيجية بشكل يتيح لها رصد النتائج التي يتمخض عنها هذا التنفيذ، وتقويم هذه النتائج من حيث دقتها واشتمال التنفيذ لكل بنودها من حيث تحقيق الأهداف، ومعتمدة على المنطلقات المنصوص عليها، وأن يراعى في التنفيذ اتباع الوسائل بكل مراميها ومتطلباتها، ومراجعة كل ذلك بشكل مستمر بما يكفل وضع برامجها وآليات تطبيقها بعناية ودقة.
(ب - تنسيق جهود القطاعين العام والخاص في تخطيط ومراقبة برامج مكافحة الفساد وتقويمها).
من أهمية الآليات العمل الجاد على تنسيق جهود القطاعين العام والخاص كل في مجال اختصاصه، ونشاطه بما يكفل تحقيق التخطيط الجيد، والمراقبة الحقيقية لبرامج مكافحة الفساد، التي هي الغاية من الاستراتيجية، ومن ثم تقويم النتائج المتحققة.
(ج - تلقي التقارير والإحصاءات الدورية للأجهزة المختصة ودراستها وإعداد البيانات التحليلية في شأنها).
ومن الآليات العمل الجاد تلقي التقارير والإحصاءات الدورية من الأجهزة المختصة، واعتماد دراستها من قبل المختصين في المجالات التي تشتمل عليها التقارير والإحصاءات، ومن ثم إعداد نتائج الدراسات التحليلية التي يمكن الاعتماد عليها في الوصول إلى تحقق الاطمئنان في عدم حصول جرائم فساد، أو حصول العكس الذي يستلزم التحرك لمكافحة الفساد الحاصل.
(د - جمع المعلومات والبيانات والإحصاءات وتصنيفها وتحديد أنواعها، وتحليلها وتبادلها مع الجهات ذات العلاقة).
وآخر الآليات جمع كل المعلومات التي توافر الحصول عليها، والبيانات بكل مشتملاتها، والإحصاءات بمحتوياتها من إيضاحات وأرقام، ومن ثم تصنيفها، وتحديد أنواعها كي يُعمل على تحليل كل ما توافر، ومن ثم ظهور نتائج التحليل ليتم تبادل كل ما تم مع الجهات المختصة التي لها علاقة بما تم التوصل له.
وبعد الانتهاء من الكلام عن الاستراتيجية، فقد رأيت من المناسب تناول نصوص تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؛ وذلك استكمالا للفائدة، فالهيئة بأهدافها لحماية النزاهة، ومكافحة الفساد المالي والإداري، فقد نُص أنها تمارس في سبيل ذلك اختصاصات كثيرة؛ لأن ما ذكر في الفقرات الخمس كانت على سبيل المثال لا الحصر، ونستعرضها، ونتكلم عن مضمونها، ومناقشتها وتحليلها فيما يأتي:
(1 - متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين بما يضمن الالتزام بها).
من مهام الهيئة المتابعة الجادة لتنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام، وله صلة بمصالح المواطنين، وهذه المتابعة تُعد إجراء وقائيا بغية كفالة التنفيذ بحرص شديد وعناية، وجدية تكفل السرعة والدقة لكل ما يتعلق بالشأن العام، أو يتصل بمصالح المواطنين دون تفرقة، أو حصول تأخير، أو تلكؤ لا يفصح عن أسبابه ومبرراته.
(2 - التحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود الأشغال العامة وعقد التشغيل والصيانة وغيرها من العقود المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين في الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة).
في هذه الفقرة حث واضح على أن تقوم الهيئة بمهام التحري الدقيق عن أوجه الفساد المالي والإداري التي قد تحصل في عقود الأشغال العامة، والعقود الخاصة بالتشغيل والصيانة، وبشكل أعم وأشمل عما يحصل في العقود الأخرى المتعلقة بالشأن العام، ومصالح المواطنين، وهذا التعميم لا يؤخذ بإطلاقه لأنه يقتصر على العقود التي تبرم من قبل الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، وهذا لا بد أن يوضح في اللوائح التنفيذية التي ستصدر بحيث توضح الجهات غير المشمولة التي قد تكون عقودها لها طابع يعطيها حق الاستثناء من رقابة الهيئة.
(3 - توفير قنوات اتصال مباشر مع الجمهور لتلقي بلاغاتهم المتعلقة بتصرفات منطوية على فساد، والتحقق من صحة واتخاذ ما يلزم بشأنها، وتحدد اللوائح التنفيذية لهذا التنظيم الآلية والضوابط اللازمة لذلك).
من المعلوم أن مهام ومسؤوليات الهيئة دقيقة وحساسة إلى درجة تجعل كشف حالات الفساد تحتاج إلى تعاون من أفراد المجتمع سواء كانوا مواطنين أو مقيمين لما يكتنف جرائم الفساد من سرية وضبابية وشكوك وإنكار لها، ولهذا وغيره نص في هذه الفقرة على توفير قنوات اتصال مباشر مع الجمهور من أجل تلقي كل البلاغات عن كشف تصرفات وأعمال تنطوي على جرائم فساد، وأخذ تلك البلاغات مأخذ الجدية والتفاعل الذي يشجع على استمرار التعاون، وبعد تلقي البلاغ يتم التحقق من صحته، وأنه لم يكن بلاغا كيديا، وفي ضوء ما يتضح من التحقق الذي تم يتخذ الإجراء المناسب؛ حتى يكفل الاهتمام بمسألة التعاون من خلال البلاغات لتكون صادقة وصحيحة كان لا بد من آلية وضوابط تحكمها، وهذه سوف تبين في اللوائح التنفيذية.
(4 - إحالة المخالفات والتجاوزات المتعلقة بالفساد المالي والإداري عند اكتشافها إلى الجهات الرقابية أو جهات التحقيق بحسب الأحوال).
من مجريات العمل على ما سبق إيضاحه، فإنه بعد تحقق ضبط حالات جرائم الفساد بدقة وعناية وفق إجراءات صحيحة يأتي دور إحالة جريمة الفساد المالي والإداري سواء كانت (جناية أو جنحة أو مخالفة) إلى الجهات الرقابية أو جهات التحقيق بحسب الأحوال، ويعني ذلك حسب جسامة الجريمة بأنواعها الثلاثة التي أوضحتها بين قوسين، وعندنا في المملكة يؤخذ بمصطلح جرائم كبيرة، وجرائم متوسطة، ومخالفات، وعلى هذا الأساس تكون الإحالة إما لهيئة الرقابة والتحقيق، وإما لهيئة التحقيق والإدعاء العام، وإما لجهات التحقيق في وزارة الداخلية وهي متعددة.
(5 - متابعة استرداد الأموال والعائدات الناتجة من جرائم الفساد مع الجهات المختصة).
وبعد ثبوت تهم جرائم الفساد والحكم فيها بحكم نهائي نال القطعية في الثبوت والإدانة، يأتي دور الهيئة بمتابعة استرداد الأموال والعائدات الناتجة من جرائم الفساد، وذلك مع الجهات المختصة مثل وزارة المالية وغيرها مما يدخل ذلك في اختصاصها.
ما سبق نهاية الكلام عن الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وكذلك الحديث عن تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وحاولت في المناقشة والتحليل والإيضاحات أن أبين بعض ما يحتاج إلى إيضاح أكثر مع مراعاة الاختصار تلافيا للإطالة المملة، راجيا أن يكون ما كتب فيه الفائدة والنفع العميم، والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي