إيران بين تصدير الثورة واستيرادها

ما زالت الأزمة السياسية التي وصفها البعض على أنها صراع على السلطة في إيران تراوح مكانها فرغم طلب المرشد من رموز نظامه كبح لجام خلافاتهم لم يلتزم بعد المسؤولون الإيرانيون بنصيحة المرشد الذي أراد الظهور بمظهر الحكم الوسط، وفي هذا السياق نشر موقع GTZ.ru الروسي في تقرير مفصل له عن الأزمة في إيران قوله إن المرشد الإيراني أقر بوجود خلاف بين المسؤولين الإيرانيين، وفيما لو استمر هذا النفاق السياسي في إيران على حاله فإنه ينذر بسقوط النظام برمته نظراً لتردي الوضع الاقتصادي في هذا البلد.

الظروف الاقتصادية العصيبة
بعد اتخاذ نجاد خطوة تعتبر على أنها أكثر مجازفة في إطار إلغاء الدعم الحكومي المحدود على السلع والمحروقات، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الرئيسة في هذا البلد الذي يعاني أصلاً أزمة مزمنة في البطالة وتضخما يصل إلى 25 في المائة ومنذ فترات طويلة مما ضاعف ، هذا الأمر، التذمر وبعض المظاهر الاحتجاجية النقابية للعمال بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة. وتنقل وكالة ''رويترز'' عن خبير اقتصادي تأكيده أن ما يؤرق المسؤولين الإيرانيين هو الأزمة الاقتصادية التي يواجهها هذا النظام فرغم أنّ نجاد تمكن من إضافة مائة مليار دولار كرؤوس أموال على الموازنة نتيجة فائض إلغاء الدعم، لكن ارتفاع الأسعار وتأثير العقوبات جعلا الشرائح البسيطة أكثر تعرضاً للضغط وهذه الفئات هي التي دعمت نجاد طوال فترة رئاسته للحكومة. ويشير التقرير نقلاً عن دبلوماسي غربي في طهران أنّ الوضع الراهن لا يعني خروج الناس للتظاهر وذلك بسبب قمع الحكومة المفرط للمتظاهرين في مناسبات سابقة، لكنه حتما سيكون مادة قابلة للاشتعال والانفجار في أي لحظة.

مطالب الشعوب غير الفارسية
وأزمتهم في إيران
في اعتراف صريح من قِبل وزير التعليم الإيراني يتضمن ما تعانيه الشعوب غير الفارسية في هذا البلد صرح بأنّ 70 في المائة من الطلاب في إيران لا يتقنون الفارسية، ما يعني تهميش هؤلاء وحرمانهم من لغتهم الأم (الشعوب غير الفارسية في إيران تتشكل من: العرب، الترك والتركمان، الكرد، البلوش، وبقية الشعوب الأخرى)، أضف إلى ذلك أن الحكومة الإيرانية لم تقدم على القيام بخطوة إحصاء النفوس للسكان غير الفرس خشية من ظهور العدد الحقيقي للفرس الذين هم يشكلون أقلية لا تتجاوز الـ30 في المائة، ومن هذا المنطلق ظهرت قضية الشعوب غير الفارسية على السطح فاستطاعت إيران لحد الآن ولعدة أسباب منها التصدي لأي محاولات من قبل الشعوب غير الفارسية وقمعها حركاتهم السلمية وغير السلمية بوحشية تامة، من السيطرة التامة على الوضع في الأقاليم التي يقطنها غير فرس رغم أنّ هذا العمل لا يشكل حلاً جذرياً للأزمة، وظلت هذه القضية تراوح مكانها منذ أن نشأت الدولة الحديثة في إيران، وبقيت هذه المسألة مصدر قلق للإيرانيين على مر العصور.
فيرى البعض أن إيران استطاعت أن تدرأ عن نفسها مصير الإمبراطورية العثمانية والاتحاد السوفياتي، ولكن لا يمكن تجاهل هذا الواقع والقفز عنه، والرهان على الوضع الموجود وعدم القيام بإصلاحات حقيقية تخدم الشعوب غير الفارسية لن يثمرا شيئاً في المستقبل، وإنّ اللجوء إلى آلة القمع والتنكيل بهم وسياسة التطهير العرقي والثقافي والتمييز الذي يمارس ضد هؤلاء ستقضي على وحدة الدولة، وبات مصير إيران كدولة بيد هؤلاء رغم إنكار البعض مثل هذه الكتل العصية على التجاهل.

معركة السلطة والمال بين نجاد وخامنئي
في الأمس القريب كان نجاد أقرب المقربين للمرشد عندما وصفه المرشد في أثناء الانتخابات بأنه أقرب إلى تفكيره، فما الذي حدث لينقلب السحر على الساحر؟!
إنّ المعركة الحالية بين المسؤولين الإيرانيين تحولت في ظاهر الأمر من معركة على تصدير الثورة إلى معركة اعتقال ما صار يعرف بـ''القائمين على إحضار الأرواح'' و''المرتبطين بالإمام الزمان''، ومعظم هؤلاء المعتقلين أصحاب مناصب حكومية رفيعة يعملون عند إسفنديار رحيم مشائي مدير مكتب نجاد وتيارهم الذي أطلق عليه المحافظون في البرلمان ''التيار المنحرف''، لكن من الواضح أن اشتداد الخلاف بين المرشد ونجاد لا يمكن تبريره سوى أنه صراع على المناصب والأموال بين التيارين اللذين يقودهما المرشد ونجاد على حده، أضف إلى كل هذا أنّ ما حدث للرئيس نجاد في عبادان وتعرضه لانفجار (مقصوداً كان أو غير مقصود)، والتفسيرات الكثيرة التي ظهرت حول الحادث فاقم علاقة البرلمانيين الموالين للمرشد ونجاد إلى درجة كبيرة.
وتوزيع مليارات الدولارات بين الشعب بصورة نقدية من قبل نجاد في كل رحلاته على المدن والقرى أثار حفيظة المرشد على طريقة الإنفاق وارتفاع نسبة قبوله بين الشرائح الضعيفة من الشعب على حساب شعبية وحضور المرشد، كل هذا حوّل الأمر إلى نزاع بينهما، ونعرف أن نجاد يفعل كل ذلك لكي يحتفظ بمنصب رئيس الجمهورية لشخص يدين له بالولاء في الانتخابات الرئاسية المقبلة والعمل على حصد أكبر عدد من مقاعد البرلمان المقبل الذي ستجرى انتخاباته في آذار (مارس) المقبل.

ما بين التصدير والاستيراد
يتصور البعض أنّ الطريقة التي تحاول إيران من خلالها تصدير ثورتها تقوم على أساس تعليب هذه الثورة بمعلبات خاصة تحمل أختام ''تم تصدير الثورة'' من الموانئ البحرية والمطارات والحدود البرية الإيرانية نحو الدول العربية متناسين أو متجاهلين الطريقة التي تسعى إيران عبرها نحو ثلاثة عقود لتصدير واقعها عبر شتى الطرق والأساليب.
ودون أدنى شك أنّ المراد من تصدير الثورة إلى الدول العربية والإسلامية هو الاعتماد على التحرك الجماهيري على مستوى الشارع، ومن خلال الخلايا النائمة المؤتمرة بأمر الإيرانيين، فالإجراءات الاحترازية التي تتخذها إيران لمنع الثورات تستند على أسس غير دقيقة، فالثورة عملية اجتماعية ـــ سياسية ـــ اقتصادية تحدث مع اكتمال مسبباتها الداخلية وتفاعلها مع محيطها الخارجي فلا يمكن الوقوف بوجه هكذا مسببات.
وإيران شهدت ثورة وتؤمن بنظرية ''الثورة المستمرة'' تحاول تصدير أفكار ثورتها للخارج بشتى الطرق والأساليب، تصدير الثورة هذا بوصفه تكتيكا هجوميا يستخدم ضد أعداء الثورة من أجل درء المخاطر عن هذا النظام، فلا شك أن النظام الثيولوجي في إيران عندما طرح مفهوم تصدير الثورة لا يقصد الأمر المتعارف للتصدير، بل المراد هو تشبيه الثورة بـ''الثقافة''، ''إيديولوجيا''، ''وبضاعة فكرية ومعرفية''.

الأسس الفكرية لتصدير الثورة
يشكل المهدي المنتظر لدى الشيعة بكل تياراتها مرجعية فكرية ملهمة، حيث إنهم ينتظرون بفارغ الصبر ظهوره ليؤسس لهم الدولة العالمية المرجوة، وتدشين نظام عادل يستقطب معظم سكان الأرض بعد تحولهم إلى شيعة.. من هذا المنطلق تأتي نظرية تصدير الثورة الإيرانية على أنها طبيعية وتحقيق لحلم الشيعة في العالم من منطلق القائمين على الثورة في إيران، ففي هذا الإطار رفع النظام الإيراني شعار نصرة المظلومين في جميع أنحاء العالم كيلا تفسر محاولاته الداعمة للقضايا العالمية على أنها مسعى لتصدير ثورته.
ومن هذا المنطلق يسعى النظام الإيراني إلى مصادرة الثورات العربية خدمة لمشروعه الإقليمي وهروباً من واقعه الداخلي المعقد والأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد في المرحلة الحالية.

هل سيثمر الربيع العربي في إيران؟
ويرى بعض الخبراء المختصين أن الثورات التي تشهدها المنطقة العربية تشبه كثيراً التيار الديمقراطي الثالث الذي بدأ من الفلبين عام 1986 وسرعان ما انتقلت عدواه إلى جنوب إفريقيا، وفي النهاية وصل إلى شرق أوروبا، لكن رغم ذلك يشكك البعض من أن يتحول ''الربيع العربي'' إلى مرحلة من الديمقراطية، وذلك بسبب المخاوف من ضرب الحركات الإسلامية المتشددة لمثل هذه العملية الفتية ووأدها، لكن مما لا شك فيه أنّ هذا الربيع سيثمر في مناطق أخرى مثل إيران وتركيا وربما إسرائيل وبقية البلدان المجاورة للعالم العربي، وذلك يعود لعدة أسباب منها سيولوجية وإنثربولوجية، وأيضاً التجربة التي خاضها الإيرانيون على مدى عقود من الحكومة الدينية ومحاولات تصدير الثورة لبقية الدول، فاليوم تتعرض إيران لعملية تصدير معاكسة لاستيراد الثورات، ولن تكون إيران هذه المرة بمنأى عما يحدث في المنطقة من ثورات بسبب بل ستكون متلقية هي الأخرى، خاصة وأن 32 عاما كانت كافية لكشف الغطاء عن وجوه الملالي في إيران ناهيك عن التحولات الكبرى التي يعيشها المجتمع الإيراني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي