حول التحدي السكاني في الخليج
يطرح موضوع توجيه الدعوة لكل من الأردن والمغرب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي تساؤلات حول حجم السكان في المنظومة الخليجية، فحسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، يساوي عدد السكان في الأردن والمغرب مجتمعين عدد السكان في دول مجلس التعاون الخليجي.
واستنادا إلى دراسة مستفيضة من إعداد وحدة الاستقصاء في مجموعة الإيكونومست البريطانية لحساب مركز قطر المالي، ارتفع حجم السكان في دول الخليج الست من 39.6 مليون في 2008 إلى 41.4 مليون في 2010. وليس من المستبعد أن يكون عدد السكان في الدول الست في حدود 42 مليون نسمة في الوقت الحاضر بالنظر للنمو السكاني المترفع نسبيا. ومعنى هذا، سيرتفع عدد السكان في هذه المنظومة الإقليمية لحدود 80 مليون نسمة ما يشكل منعطفا.
النمو السكاني
إضافة إلى ذلك، توقعت الدراسة نفسها ارتفاع عدد السكان إلى 47.5 مليون في 2015 وصولا إلى 53.4 مليون في 2020. وهذا يعني توقع الدراسة نمو السكان في دول مجلس التعاون الخليجي لأكثر من الثلث في الفترة ما بين 2008 و2020، أي في حدود 3 في المائة سنويا.
تعتبر هذه النسبة كبيرة في العصر الحديث، حيث تعاني بعض دول العالم نسبة نمو لا تذكر مثل اليابان والعديد من الدول الأوروبية. بدورها، تعاني روسيا معضلة النمو السلبي للسكان بسبب خيارات المجتمع الروسي. وفي كل الأحوال، تشمل سلبيات النمو السكاني المحدود خسارة المجتمع، وبالتالي حرمان الاقتصاد من الطاقات الشبابية المسلحة بآخر ما توصل إليه العلم الحديث. وبقصد التعويض، توفر العديد من الدول الغربية للأجانب المؤهلين فرصة الهجرة والعمل. في المقابل، تشكل مسألة مغادرة عقول وطاقات الدول النامية ظاهرة مقلقة، التي ربما تكون أحوج إليها من الدول الغربية، لكن لا يمكن توجيه اللوم للذين يرغبون في تطوير ظروفهم المعيشية وتأمين مستقبل أفضل لأبنائهم.
كما كشفت دارسة ''الإيكونومست'' عن ملاحظة جديرة، وهي التراجع النسبي للسكان دول سن الـ 15، مشكلين فيما بينهم 29 في المائة من المجموع في 2008 مقابل 24 في المائة من السكان في 2020. ويمكن ربط الأمر بتقدم الخدمات الطبية، الأمر الذي يسمح بطول متوسط أعمار المواطنين، وبالتالي تقليل الأهمية النسبية للشباب من مجموع السكان. وهناك فائدة إضافة إلى هذه الظاهرة، وهي الحد من مسألة إيجاد فرص عمل جديدة للداخلين الجدد في سوق العمل مستقبلا.
كثرة الأجانب
من جهة أخرى، كشفت تحقيق صحافي نُشر حديثا عن أن الأجانب يشكلون أكثرية السكان في أربع دول خليجية، وهي: قطر، الإمارات، الكويت، والبحرين. وبشكل أكثر تحديدا، يشكل الأجانب 87 في المائة و81 في المائة و68 في المائة و51 في المائة في كل من: قطر، الإمارات، الكويت، والبحرين على التوالي.
حقيقة القول، المفاجأة هي تشكيل الأجانب أغلبية السكان في البحرين خلافا لما كان متوقعا قبيل تنفيذ التعداد السكاني في 2010. الجدير ذكره، تتميز البحرين باحتضانها أعلى كثافة سكانية في المنطقة، حيث يعيش أكثر من ألف شخص في الكيلو متر الواحد، وعليه تعد ضمن قائمة الدول العشر الأولى صاحبة أعلى كثافة سكانية على مستوى العالم.
لكن شكرا للضآلة النسبية للتمثيل السكاني في السعودية، يشكل الأجانب أقل من نصف السكان في مجلس التعاون. فحسب دراسة ''الإيكونومست''، يشكل الأجانب نحو 27 في المائة من السكان في المملكة، مع الإشارة إلى أن 63 في المائة من السكان في الخليج يعيشون في السعودية. كما يعيش نحو 13 في المائة من السكان في الخليج في الإمارات، الأمر الذي يحد من التداعيات المرتبطة بحجم العمالة الوافدة على الإحصاءات.
فوائد العمالة الوافدة
يلاحظ في هذا الصدد أن الآسيويين، أي العمالة الوافدة، نجحوا في السنوات الماضية في تعزيز وجودهم في مجلس التعاون الخليجي على حساب الرعايا العرب. ويعتقد أن العرب شكلوا 75 في المائة من العمالة الوافدة في 1975 لكن تراجعت هذه النسبة إلى نحو 20 في المائة في الوقت الحاضر. في المقابل، يشكّل الآسيويون ما بين 66 و70 في المائة من العمالة الوافدة مع وجود تركيز لجاليات معينة في بعض الدول. على سبيل المثال، يشكل النيباليون الذين يشتهرون بالعمل في مجال الخدمات الأمنية قرابة 14 في المائة من مجموع العمالة الوافدة في قطر.
ختاما، نرى صواب فتح اقتصادات دول المجلس على العمالة الأجنبية؛ لأنها تعزز حالة التنافسية الاقتصادية، وتشكل ورقة ضغط على الرعايا لاكتساب أفضل المهارات لغرض المنافسة على فرص العمل. وفي نهاية المطاف، تكون الاقتصادات الخليجية هي الرابحة من هذه المعادلة، الأمر الذي من شأنه تعزيز مكتسبات للمؤسسات التجارية والناس.
وفي كل الأحوال، لا بأس من وضع سقف لعدد سنوات بقاء العامل الأجنبي بهدف تعميم الفائدة ومنح فرص لأكبر عدد ممكن بالعمل في الاقتصادات الخليجية. وقد تم الكشف حديثا عن وجود توجه كهذا في السعودية، لكن دونما تحديد موعد لتطبيق هذا التطور اللافت.