المردود الاقتصادي للتحول إلى التعاملات الإلكترونية الحكومية
ربما كان الحديث عن الآثار الاقتصادية لتطبيق الأعمال الحكومية إلكترونياً على مستوى المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص من باب إثبات ما هو مثبت، أو تأكيد ما جرى تأكيده بالفعل؛ إلا أن مجرد تناول هذا المردود لا يجعلنا فقط نعلم دوره؛ بل يجعلنا ندرك بقوة أهمية المضي قُدُماً إلى الأمام على درب التعاملات الإلكترونية الحكومية في المملكة العربية السعودية.
ولقد جاء اهتمام المملكة بتطبيق مفهوم التعاملات الإلكترونية الحكومية من خلال إستراتيجية متكاملة وخطة عمل شاملة وسلسلة من المبادرات المساندة، فكان برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية "يسِّر" نتاج تعاون ثلاث جهات هي وزارة المالية، و وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، ويُدار بأسلوب العمل التنسيقي اللامركزي.
وخلال عرض تجارب الدول في مجال التعاملات الإلكترونية الحكومية في المؤتمر الوطني الثاني للتعاملات الإلكترونية الحكومية؛ تتضح أوجه الشبه بين التجربتين السعودية وتجربة التعاملات الإلكترونية الحكومية في ولاية كاليفورنيا حيث خطت الولاية خطوات كبيرة في تقديم خدمات إلكترونية لسكان الولاية وتم تحويل الهيكل الإداري في الإدارة من المركزية إلى اللامركزية وصولاً إلى خفض التكاليف وزيادة كفاءة الخدمات الإلكترونية، فقد كان على الجميع في ولاية كاليفورنيا أن يستجيبوا لبعض التحديات التي عنت لهم، مثل تشرذم الميراث التقني، فلم يكن هناك بد من إعادة تنظيم ما لديهم بحثاً عن نقطة بداية؛ فالبنية التحتية كانت ضعيفة للغاية بداية من الشبكات والكوابل الموصلة للمعلومات أخذاً فى الاعتبار المساحة الشاسعة لولاية كاليفورنيا التي زادت الأمور تعقيداً، وربما تتلاقى تجربة ولاية كاليفورنيا فى هذه النقطة مع تجربة المملكة المترامية الأطراف فكانت البداية باستخدام البريد الإلكتروني كبديل فعَّال للاتصالات بين أطراف الولاية فضلاً عن استخدام آلية السحب الإلكترونية كآلية مستحدثة بمبادرة فريدة من القطاع الخاص فى الولاية.
ولعل رحلة المملكة على درب التعاملات الإلكترونية الحكومية هي التي عملت على تحسين تصنيفها في مؤشر الأمم المتحدة لجاهزية الحكومة الإلكترونية عام 2010م، إذ جاءت في المركز الثامن والخمسون عالمياً من بين 192 دولة، بعد أن كانت في المرتبة 70 في التقرير السابق، واحتلت المركز الثالث عشر آسيوياً من بين 47 دولة. وهذا يعني أن المملكة تقدمت 12 مرتبة عن مؤشر 2008م، و22 مرتبة عن مؤشر 2005م، و32 مرتبة عن مؤشر 2004م، و47 مرتبة عن مؤشر 2003م.
وقد استحقت المملكة جائزة أفضل تجربة لقطاع حكومي في مجال التعاملات الإلكترونية الحكومية في قارة آسيا عن منهجية قياس تحول الجهات الحكومية للتعاملات الإلكترونية، وحصلت البوابة الإلكترونية لأمانة محافظة جدة على جائزة (درع الحكومة الإلكترونية) وذلك ضمن مسابقة أفضل موقع للحكومة الإلكترونية في العالم العربي بالتعاون بين المنظّمة العربيّة للتنمية الإدارية وأكاديمية جوائز الإنترنت بالمنطقة العربية.
وحصدت السعودية جائزتين عالميتين تمنحهما الأمم المتحدة في مجال الخدمة العامة؛ إذ فازت جامعة الملك سعود بجائزة "تحسين تقديم الخدمات العامة" عن مشروعها الخاص بـ "تطوير التعليم الإلكتروني"، فيما حصدت الشركة السعودية لتبادل المعلومات إلكترونياً "تبادل" والمملوكة لصندوق الاستثمارات العامة جائزة "تحسين الشفافية، الاعتمادية وسرعة التجاوب في مجال الخدمة العامة".
وقد اختصر المشروع السعودي لتبادل المعلومات إلكترونياً المدة الزمنية التي تستغرقها المعاملة من خمسة أيام إلى خمس دقائق، وتوفر خدمة تأشيرات العمرة الإلكترونية على المعتمرين من ضيوف بيت الله الحرام عشرين مليون دقيقة انتظار، وخلال عام 2008 م؛ فإن 48 % من الجهات الحكومية المشاركة في القياس الثاني لمدى تحول الجهات الحكومية للتعاملات الإلكترونية الحكومية سعت إلى تبادل بياناتها إلكترونياً مع جهات حكومية أخرى، و 79% من الجهات الحكومية المشاركة في القياس الثاني اعتمدت على البريد الإلكتروني في مراسلاتها الداخلية، و62% منها اعتمدت عليه في مراسلاتها الخارجية، وأظهرت قراءات قياس التحول الثاني أن نسبة 64% من الجهات الحكومية قد قامت بأتمتة أعمالها الأساسية والنمطية.
وقفز عدد الخدمات الإلكترونية التي توفرها الجهات الحكومية من خلال البوابة الوطنية للتعاملات الإلكترونية (سعودي) www.saudi.gov.sa إلى 1000 خدمة إلكترونية تتيحها 126 جهة حكومية على البوابة (وذلك حتى نهاية عام 2009م فما بالك اليوم كم وصلت الخدمات الإلكترونية كماً وكيفاً؟) كما تعرض البوابة بيانات (167) جهة حكومية رئيسة بخلاف بيانات فروعها وإداراتها، وتوفر (295) رابطًا لنظام ولائحة وتنظيم وقانون.
إن خطوات "يسِّر" نحو تحفيز وتمكين الجهات الحكومية للتحول إلى التعاملات الإلكترونية الحكومية تسير عبر عمليات الجدوى المنتظرة، وإن كانت حسابات التكلفة والعائد محدودة النظر لا يكون لها مجال على المدى القريب حتى يرتفع مستوى الإنتاجية وتنخفض التكلفة.
ومع التعاملات الإلكترونية الحكومية يجب أن تنخفض تكلفة الخدمة تلقائياً؛ وإلا فلماذا ترتفع تكلفة الخدمة وأنا لم أستقطع من وقت الموظف العام على الشباك؟، وأنا لم أستخدم مرافق الجهة الحكومية من مقاعد وأوراق وأحبار ومواقف وغير ذلك؟، وأنا لم أسهم في ازدحام الطرق وارتباك الحركة المرورية سعياً وراء معاملتي من مبنى لآخر أو من جهة لأخرى؟، وهكذا؛ حتى نضيف قيمة للأعمال بالتعاملات الإلكترونية الحكومية.
وربما لن يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما سيستمر دوماً ولكن ليس لإثبات المردود الاقتصادي للتعاملات الإلكترونية الحكومية ولكن هذه المرة لرفع هذا المردود إلى حدوده القصوى عندما لا تعمل الجهات الحكومية كجزر منعزلة، وعندما لا يعمل البعض بمعزل عن الكل، وعندما لا يقف "يسِّر" وحيداً بدوننا جميعاً بجانبه في مضمار التحول من ماضٍ ورقي إلى مستقبل إلكتروني.