تنامي أهمية المالية العامة في البحرين
تؤكد الأرقام النهائية لميزانية البحرين للسنتين الماليتين 2011 و2012 الأهمية النسبية لنفقات القطاع العام في الاقتصاد الوطني. وباتت أهمية النفقات العامة حيوية في هذه الفترة بالذات بقصد التكيف مع التداعيات السلبية للأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد، فضلا عن المعضلات المرتبطة بالتخفيض الائتماني للبحرين.
ودخلت الميزانية الجديدة حيز التنفيذ بداية الشهر الجاري بعد تأخر عملية المصادقة عليها من السلطة التشريعية لأسباب لها علاقة بالأزمة التي عصفت بالبلاد بدءا من منتصف شباط (فبراير). تتميز البحرين بإقرار ميزانية عامة لسنتين ماليتين لتحقيق أهداف تتضمن منح مستثمري القطاع الخاص صورة واضحة عن توجهات القطاع العام لفترة زمنية.
عجز ضخم
تبلغ قيمة النفقات والإيرادات للسنتين الماليتين 2011 و2012 معا 16.4 و12.3 مليار دولار على التوالي. وعلى هذا الأساس، تفترض الميزانية عجزا ماليا قدره 4.1 مليار دولار. يشكل العجز في حال تحققه نحو 9 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للبحرين، الأمر الذي يتناقض مع أحد شروط مشروع الاتحاد النقدي الخليجي. من جملة المعايير المختلفة، يلزم المشروع بعدم ارتفاع عجز الميزانية العامة عن مستوى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
بيد أنه لا يتوقع تسجيل عجز فعلي لأسباب جوهرية من قبيل افتراض متوسط سعر قدره 80 دولارا للبرميل. وفي كل الأحوال، يقل الرقم عن الأسعار السائدة في الأسواق الدولية، حيث يتوقع أن يبلغ متوسط سعر النفط الخام حدود 107 دولارات للبرميل في عام 2011.
حقيقة القول، رغم كل الحديث عن التنوع الاقتصادي، يسهم القطاع النفطي بنحو ثلاثة أرباع دخل الخزانة العامة للسنتين الماليتين. كما تشكل الصادرات النفطية نحو ثلاثة أرباع قيمة الصادرات البحرينية. يشار إلى أن التنوع الاقتصادي مرده مساهمة القطاع النفطي بنحو ربع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بعد الأخذ في الاعتبار أهمية قطاع الخدمات المالية. لكن ترتفع أهمية القطاع النفطي في ظل ارتفاع الأسعار في حال احتساب الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية.
أكبر ميزانية
تعتبر ميزانية السنتين الماليتين 2011 و2012 الأكبر على الإطلاق في تاريخ البحرين، وهي خطوة مفهومة مقدرة من شأنها الحد من التداعيات المرتبطة بالتطورات التي حدثت في البلاد قبل عدة أشهر. تشكل نفقات الدولة نحو 37 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يعكس الأهمية النسبية للقطاع العام في الاقتصاد البحريني. في المقابل، شكلت النفقات العامة أقل من ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبحرين لحين عام 2010. يعود الاختلاف جزئيا لمضاعفة متوسط سعر النفط في الميزانية الجديدة إلى 80 دولارا للبرميل، وبالتالي تعزيز الإيرادات وعليه إفساح المجال أمام رفع النفقات الحكومية.
تقليديا، يقوم القطاع العام في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بتعزيز نفقاته في الظروف الاستثنائية بهدف التعويض أينما كان ممكنا. فقد حدث هذا في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي ظهرت للعيان في صيف 2008، إذ قامت الحكومات الخليجية بتعزيز نفقاتها لتحقيق أهدف منها تشجيع مستثمري القطاع الخاص لاتخاذ خطوة مشابهة.
تخفيض التصنيف الائتماني
حديثا فقط وفي خطوة غير متوقعة وقبل أيام من انتهاء قانون السلامة الوطنية، قررت وكالة موديز تخفيض التصنيف الائتماني السيادي للبحرين درجة كاملة من (أي 3) إلى (أي بي بي 1) مع نظرة مستقبلية سلبية. مقارنة ببعض الشركات الأخرى العاملة في مجال التصنيف الائتماني، تتمتع وكالة موديز بالكثير من الصدقية كونها تصدر تقاريرها بصورة مستقلة وليست نزولا عند رغبة الزبائن.
وهذه هي المرة الثانية في غضون سنتين التي تقوم فيها ''موديز'' بتخفيض التنصيف الائتماني للبحرين، حيث قامت في صيف 2010 بتخفيض التصنيف الائتماني السيادي من (أي 2) إلى (أي 3). وعزت الوكالة الخطوة آنذاك إلى تدهور المرونة المالية بالنظر إلى تعزيز نفقات الحكومة، فضلا عن الارتفاع النسبي لمتوسط سعر النفط، الأمر الذي ينال من فرضية التوازن في المالية العامة.
وبدا للمراقبين أن رسالة ''موديز'' مفادها وجود فرق بين الأمن والاستقرار، حيث المطلوب العمل على تعزيز التوافق الوطني حتى يتسنى تحقيق الاستقرار المنشود. في المقابل، بمقدور الإجراءات الأمنية فرض الأمن وليس الاستقرار، الذي بدوره يتطلب إجماعا وطنيا. يبقى هناك أمل في نجاح مشروع الحوار الوطني والمزمع إطلاقه بداية تموز (يوليو) بمشاركة مختلف القوى السياسية.
من جملة السلبيات، تتسبب هذه الخطوة في رفع تكلفة الاقتراض للبحرين نظرا لارتفاع مستوى المخاطرة. لكن ما يبعث على الاطمئنان هو عدم وجود حاجة فعلية للحصول على تسهيلات غير عادية لتغطية عجز الميزانية العامة بالنظر لفرضية تعزيز الإيرادات العامة.
إضافة إلى ذلك، هناك المعونة الاقتصادية المقرة من دول مجلس التعاون الخليجي وقدرها عشرة مليارات دولار موزعة على عشر سنوات بقيمة مليار دولار لكل سنة. لكن يعاني الموضوع الضبابية في ضوء عدم تأكيد الأمر في البيان الختامي للقمة التشاورية رقم 13 في أيار (مايو).