المحطة الأخيرة (2 من 2)

عمدت إحدى شركات صناعة النقل الصينية Shenzhen Hashi إلى التوصل إلى فكرة غير مسبوقة في صناعة وسيلة نقل ملائمة للمدن المزدحمة، هذه الوسيلة هي عبارة عن شكلٍ جديد من وسائل النقل يقع في منطقة بين الحافلة والقطار، إذ ليس بحافلة ولا هو بقطار سريع! فهو بكل بساطة يسع لعدد كبير من الركاب يضاهي ما يحمله القطار إلا أنه لا يسير على قضبان حديدية، ويشبه إلى حدٍ كبير نفقاً متحركاً يسمح بمرور السيارات الصغيرة والمتوسطة الحجم من تحته! يا لها من فكرة بارعة، تتجاوز ما تحتاج إليه القطارات السريعة من بنية تحتية أساسية، وتفي في الوقت ذاته بالغرض الذي يتطلبه إيجاد بدائل نقلٍ سريعة وغير مكلفة.
الغريب في الأمر أن هذه الشركة الصينية تزمع عرض هذا النوع من وسائل النقل بثمن كبير أعلى بكثير من ثمن الحافلات المتطورة ويعادل نصف تكلفة القطار الكهربائي، فما السبب يا ترى؟
تبرر الشركة الصينية الآنفة الذكر هذا القرار بكون هذا الخيار رغم انخفاض تكلفة إنتاجه إلا أنه يعتبر بديلاً مهماً للقطارات السريعة ويلغي الحاجة إلى بنية تحتية أساسية، مما يعطيه ميزة نسبية على وسائط النقل التقليدية، وهو بالتالي تبرير أخلاقي ومقبول لزيادة الثمن.
إن التفكير بهذه الطريقة المبتكرة، يعمل على إضافة قيمة كبيرة لقراراتنا اليومية، فبإمكان أي منا أن يعمد إلى طريقة مشابهة في التفكير عند قيامه بأي عمل، من أجل الحصول على القيمة القصوى بالتكلفة ذاتها.
ويعد نقل المعرفة إحدى البنى الأساسية للتحول إلى المجتمعات الصناعية، إذ لا يكفي أن يتحول المجتمع إلى مجتمع استهلاكي غير قادرٍ على الإنتاج، لكون بلداننا تنتج الكثير من الصناعات الأساسية وتصدرها إلى بلدان العالم المختلفة ومنها الصين، ومن خلال عمليات صناعية تحويلية تقوم تلك المصانع في الخارج بإضافة قيمة إلى منتجاتنا الأساسية، وبالتالي تعيد بيعها لنا بثمن أعلى بكثير من تكلفتها.
ومن مظاهر إضافة القيمة للمجتمع، أن يقوم كلٌ منا بواجبه ولو على الأقل في جانب استقدام العمالة النوعية التي تعمل على نقل الحضارة والعلوم الصناعية لأوطاننا. والمراقب لما يحدث يجد العكس تماماً، إذ إن الكثير من العمالة لدينا، يعملون بشكلٍ غير مباشر على تخلف المجتمع عن ركب الحضارة، لكونهم يفتقرون إلى الحد الأدنى المطلوب من المستوى الحضاري، وهم يعملون بشكلٍ مؤثر وربما غير ملحوظ على تخلف المجتمع، لكونهم ينقلون مظاهر التخلف من بلدانهم إلى بلداننا، والسبب في ذلك عائدٌ لعوامل كثيرة منها ضعف أو ربما غياب الرقابة الجماعية من أفراد المجتمع ككل على السلوك السوي، إلى جانب غياب مؤسسات المجتمع المدني، التي من المؤكد أنها ستلعب دوراً مهماً في إبراز القانون وحماية تطبيقه من التساهل والمحاباة.
ويمكن ملاحظة ما يمكن أن تقوم به العمالة النوعية من دورٍ بارز في نقل الحضارة بالنظر إلى ما حدث في دول مجاورة اعتمدت برامج موجهة لنقل المعرفة إلى بلدانها جنباً إلى جنب مع العمران المادي. ومن المهم جداً أن تتوافق البنية المادية مع البنية المعرفية لكي ينهض المجتمع، وفي غياب أي منهما تحدث فجوة حضارية في غاية الخطورة على المجتمعات؛ إذ هل لك أن تتخيل بنية مادية متقدمة، مع عنصر بشري ضعيف وغير مؤهل، أو ربما العكس تماماً، قوة بشرية متقدمة وفي غاية التأهيل مع بناء مادي وتنموي ضعيف، فماذا ستكون النتيجة؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي