الوجه المظلم للتمويل
إذا كنت تتصور أن قطاع التمويل في أمريكا نال ما يكفيه من الدعاية السيئة، فلتفكر ثانية. فقد كانت محاكمة الملياردير ومدير أحد صناديق التحوط، وهو راج راجاراتنام، بتهمة المتاجرة استناداً إلى معلومات من الداخل. وقد كشفت هذه المحاكمة الجانب المظلم الفاسد من العالم المالي.
والواقع أن محاكمة راجاراتنام لافتة للنظر في نواح كثيرة. فهي أولاً واحدة من قضايا المتاجرة الداخلية القليلة التي تقام ضد مدير محترف لأحد صناديق التحوط. فتاريخيا، كان نواب العموم الفيدراليون والولايات يفضلون محاكمة التجار "العرَضيين" الذين يبرزون بوضوح. على سبيل المثال، عندما تلقى بنك إيطالي ضئيل من شخص ما لم يتاجر من قبل قط طلباً لشراء كمية كبيرة من أسهم شركة يو إس شو قبل فترة وجيزة من استحواذ شركة إيطالية لصناعة النظارات تحت اسم "لوكسوتيكا" على الشركة نفسها، لم يكن من الصعب أن يجد المرء في الأمر ما يريب. أو بعبارة أخرى، من الأسهل كثيراً أن نثبت العلاقة السببية بين تعاملات التاجر العرَضي وبين تلقيه معلومة غير قانونية، لأنه على وجه التحديد تاجر عرَضي. وعلى النقيض من ذلك، من الأصعب كثيراً أن نضع أصبعنا على مشكلة ما إذا كان الشخص المعني يجري مئات العمليات التجارية كل يوم.
وفي حالة راجاراتنام، جاءت إمكانية إثبات هذا النوع من الارتباط من خلال مراقبة المكالمات الهاتفية. وهذا هو الجانب الثاني اللافت للنظر في هذه المحاكمة: فهي أول قضية يتهم فيها متاجر من الداخل وتعتمد على أداة تستخدم عادة لملاحقة قضايا المخدرات والجريمة المنظمة. وعندما يُكشَف عن مضمون هذه المحادثات في المحكمة، فإن هذا لن يخفف من انعدام الثقة في القطاع المالي، على أقل تقدير.
ولكن الجانب الأكثر أهمية في هذه القضية هو مستوى الأشخاص المتورطين. ففي الماضي كانت محاكمات المتاجرين الداخليين التي يتورط فيها أشخاص غير التجار العرَضيين تشتمل عادة على ممولين مارقين، من أمثال إيفان بويسكي في ثمانينيات القرن الـ 20.
وهذه المرة، نتحدث عن قلب أمريكا الشركاتية. فقد أقر بالذنب بالفعل المدير الإداري (العضو المنتدب) لمؤسسة ماكنزي، أنيل كومار، بتهمة تقديم معلومات داخلية للمتهم راجاراتنام في مقابل دفعات نقدية لا تقل عن 1.75 مليون دولار أمريكي. كما تم توجيه الاتهام إلى راجا جوبتا، المدير الإداري لمؤسسة ماكنزي طيلة تسعة أعوام، بالاشتراك في التآمر، وكذلك راجيف جويل المدير التنفيذي لشركة إنتل.
إنه لمن الصعب للغاية أن نتخيل أن مديراً تنفيذياً ناجحاً قد يعرض مستقبله المهني وسمعته للخطر على هذا النحو، حتى أن عديدا منا ربما يأملون أن يثبت في النهاية أن الاتهامات الموجهة إليه كانت بلا أساس من الصحة. ولكن أحد البحوث الأكاديمية الحديثة - الذي أجراه لورين كوهين وأندريا فراتزيني، وكريستوفر مالوي - توضح أنه من غير المستبعد أن يجتمع بعض الأصدقاء الذين تخرجوا في الجامعة نفسها، مثل كومال جويل وراجاراتنام، لتبادل معلومات سرية.
ويبين هذا البحث أن مديري المحافظ الاستثمارية يراهنون بقدر أعظم من الثقة على شركات يديرها أشخاص من أصدقائهم ومعارفهم من أيام الدراسة الجامعية. والتفسير الحميد لهذه النتائج هي أن زملاء الكلية الواحدة يعرفون بعضهم بعضا، وبالتالي فإن مدير المحفظة الاستثمارية يكتسب ميزة في الحكم على جودة المدير التنفيذي إذا كان قد أمضى بعض الوقت معه في الكلية. ولكن هذا التفسير الحميد يصبح من الصعب التوفيق بينه وبين حقيقة مفادها أن هذه العائدات الإيجابية تتركز حول إعلانات إخبارية للشركات.
وبعد عشرة أسابيع من محاكمة كهذه فسيكون من السهل بالنسبة لعامة الناس أن يستنتجوا أن كل صناديق التحوط منحرفة، وأن النظام يتم التلاعب به ضد مصلحة المتاجرين من الخارج. ولكن مما يدعو إلى التفاؤل أن هذه ليست الحال. ففي حين لا نستطيع أن ننكر وجود بعض التفاح الفاسد في صناعة صناديق التحوط، فإن غالبية التجار يتصرفون بالشكل اللائق، ولا شك أن مساهماتهم المشروعة في البحوث تجعل السوق أكثر كفاءة.
ورغم ذلك فسوف يكون من الصعب على مديري صناديق التحوط الشرعيين أن يزيلوا هذه الوصمة التي لحقت بالصناعة بسبب التجار المارقين. وتتلخص إحدى الوسائل الكفيلة بتحقيق هذه الغاية في تبني نهج استباقي في المكاشفة. ويتعين على صناديق التحوط أن ترفع تقارير علنية تحتوي على قائمة بالمتاجرات السابقة التي يرجع تاريخها إلى عامين على الأقل. ومثل هذا الكشف المتأخر لن يضعف من قدرة الصناديق على المنافسة، وذلك لأن نصف عمر أغلبية استراتيجيات المتاجرة قصير للغاية، ولكنه كاف لمنحها المصداقية التي تصاحب كونها ليس لديها ما تخفيه.
إن الإفصاح العلني الطوعي من جانب صناديق التحوط من شأنه أيضاً أن يمنع التدخل التنظيمي الأشد قوة، الذي كان ليتمسك لولا ذلك بالعناوين الرئيسة المثيرة للانزعاج والمتولدة عن محاكمة راجاراتنام.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2011.