شرط التحكيم ومدى أهميته

التحكيم قطاع حيوي ومهم، هو عامل فاعل لخدمة مصالح المستثمرين والشركات كافة، يزيد من الحراك التجاري والاستثماري، يوفر الظروف الملائمة كضمانة مهمة تحفز على تدفق الاستثمارات الأجنبية على الوطن، بالتالي يسهم في ارتفاع معدلات التنمية، ليفضي لإحداث طفرة اقتصادية. يلجأ إليه المستثمرون والشركات السعودية في الداخل والخارج لفض نزاعاتهم التجارية بعيداً عن إجراءات القضاء العادي. الاستثمارات السعودية في الخارج بلغ حجمها أكثر من 4.6 تريليون ريال، الجانب الآخر، هو المستثمرون والشركات المتعددة الجنسيات في المملكة، بلغت استثماراتها نحو 552 مليار ريال. معظم هؤلاء المستثمرين والشركات، بل على مستوى العالم تأخذ بشرط التحكيم لتسوية نزاعاتها.
نظام التحكيم السعودي صدر بموجب المرسوم الملكي رقم 46 وتاريخ 12/07/1403هـ، نص في المادة الأولى منه على أنه "يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع قائم، كما يجوز الاتفاق مسبقاً على التحكيم في أي نزاع يقوم نتيجة لتنفيذ عقد معين".
النظام يتطلب اتفاق الأشخاص على اللجوء إلى التحكيم، الاتفاق يُعد عقداً يجب توافر أركانه، أهمها الرضا والمحل والأهلية، سواء ورد كبند في العقد أو ورقة مستقلة قبل أو بعد قيام المنازعة بين الخصوم، هذا ما يفرق بين الصلح والتوفيق من ناحية ونظام التحكيم من ناحية أخرى.
الاتفاق على التحكيم يقيد الأطراف وعدم إمكان رجوع أحدهم عنه، إلا بموجب اتفاق لاحق ينص على التحلل من اتفاق التحكيم السابق واللجوء إلى طريق آخر غير التحكيم.
المعلوم فقهـا وقضاء أن التحكيم سبيل خاص واستثنائي لفض الخصومات، إذا اتفـق عليه طرفـا التعاقد عند إبرام العقـد أو بعـده، النظام أجازه احتراماً لإرادة الطرفين المتعاقدين، اشترط لذلك شروطاً عديدة يجب توافرها في المتعاقدين المحتكمين وأخرى في المحكّمين، وإلا استرد القضاء العادي المختص ولايته العامة وسلطانه بنظر موضوع الدعوى.
النظام أوجد شروطاً إجرائية في هذا الخصوص، أهمها وجوب الدفع (قبل التكلم في موضوع الدعوى)، وذلك بعدم جواز قبول الدعوى أمام المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، لوجود اتفاق بين الطرفين مسبقاً على إحالة النزاع إلى التحكيم، هذا يكون تحت طائلة سقوط شرط التحكيم واسترداد القضاء المختص ولايته العامة بنظر موضوع الدعوى، لأن الاختصاص النوعي (الموضوعي) يسمو على اتفاق الأطراف على التحكيم الذي لا يتمتع بالقطعية، نظراً لأنه سرعان ما يسقط في حالة القبول (ولو كان ضمنياً) بنظر الدعوى من قبل المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع محل التحكيم دون تمسك أي من طرفيه بشرط التحكيم.
شرط التحكيم قد يكون غير واضح إذا ما شابه الغموض أو ورد بصيغة عامة مبهمة دون تفصيلات، هذا جائز الحدوث في الحياة العملية، لذا وجب تفسير اتفاق التحكيم طبقاً للقواعد العامة في تفسير العقود. إذا كانت العبارة واضحة لا يجوز الانحراف عنها بحجة التفسير، البحث يجب أن يكون عن النية المشتركة للمتعاقدين، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة التعامل السابق والأعراف مع تفسير العقد لمصلحة المدين، إذا ما نص العقد على اختصاص القضاء بنظر المنازعات الناتجة عن العقد، يتم النص في مادة أخرى على اختصاص التحكيم بنظر هذه المنازعات. اقتراحنا أن ينعقد الاختصاص للتحكيم حال التمسك به من أحد طرفي النزاع وليس القضاء، لأن اللجوء إلى القضاء هو الأصل العام، أما اللجوء إلى التحكيم فهو اتفاق خاص، والخاص يقيّد العام.
المادة السابعة من نظام التحكيم السعودي نصت على أنه "إذا كان الخصوم قد اتفقوا على التحكيم قبل قيام النزاع أو إذا صدر باعتماد وثيقة التحكيم في نزاع معين قائم فلا يجوز النظر في موضوع النزاع إلا وفقاً لأحكام هذا النظام"، إذا ما خالف أحد الأطراف ما تم الاتفاق عليه باللجوء إلى التحكيم ولجأ أحدهم إلى القضاء، فللطرف الآخر الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم واتفاق الأطراف على حل النزاع الذي قام أو يقوم بينهما عن طريق التحكيم ، ذلك استناداً إلى نص المادة 7 من نظام التحكيم السعودي.
الدفع بشرط التحكيم ليس من النظام العام، أي أن تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يطلبه الخصوم. الدفع بشرط التحكيم يسقط إذا لم يتمسك به الخصم قبل التحدث في الموضوع، التنازل عن شرط التحكيم جائز صراحة أو ضمناً، لأن التحكيم في حـد ذاته لا يتعدى كونه عقـداً رضائيـاً بيـن الأطراف خارجاً عن طرق التقاضي العـادية إلى طرق استثنائيـة. كما أجـاز النظام عقـده أجـاز كذلك فسخه، يمكن أن يكون الفسخ صريحـاً (كالاتفاق عليه صراحة وبعقد خطي على ذلك) أو ضمنياً كالرجوع بالنزاع إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظره والتحدث أمامها من قبل الأطراف في موضوع الدعوى دون التمسك بوجوب الاعتداد بالتحكيم. إذا حدث ذلك، نهض دليل قضائي قطعي يفيد موافقة أطراف التعاقد على إلغـاء شرط التحكيم والعزوف عنه وتركه وقبولهم العودة إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر الموضوع.
في حال تمسك به أحد طرفي النزاع أمام المحكمة المختصة قبل التعرض لموضوع الدعوى وإبداء الدفوع الموضوعية، المحكمة لا تملك هنا سوى تقرير عدم قبول الدعوى تطبيقاً لنص المادة 7 من نظام التحكيم، معناه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بإعمال شرط التحكيم من تلقاء نفسها، إنما التمسك به أمامها من أحد طرفي النزاع قبل أي دفع موضوعي.
هذا هو ما انتهى إليه ديوان المظالم في العديد من أحكامه، وبذلك فإن المحكمة عليها الرد على الدفع المبدئي بعدم القبول لشرط التحكيم، لأنه من الدفوع الجوهرية، لكونه منتجاً في الدعوى، وإلا كان الحكم قاصراً ومحل طعن.
لذا، نقول إن الدفع بشرط التحكيم لا يسقط إلا إذا لم يدفع به الخصم أمام المحكمة قبل التحدث في الموضوع، أو كان الاتفاق على التحكيم من الأمور التي لا يجوز فيها الاتفاق على التحكيم، وهو من الأمور المستثناة في المادة الثانية من نظام التحكيم السعودي.
هذا كله يمثل جانباً فنياً، إلا أنه لا يمكن إغفال أهميته لكل المختصين والمهتمين بمجال التحكيم كآلية ناجعة لتسوية النزاعات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي