تفكير جماعي

دعاه صديقه فيصل لزيارة المصنع الذي يعمل به ذات يوم، فاستقبله بحفاوة وكرم، وبعد تقديم مراسم الضيافة المعهودة، شرع فيصل في تقديم ضيفه لطاقم العاملين، هذا هو المدير الفني الدكتور حسن، وذاك مدير التشغيل المهندس أحمد، أما هذا فمسؤول مراقبة الجودة سليم ... إلخ.
تجولا في المصنع وأعجب الضيف كثيراً بمهارة العاملين وكفاءتهم الفنية، توقفا طويلاً عند كل خط من خطوط الإنتاج ودار حديث طويل حول طرق الإنتاج وحصتهم في السوق ونقاط القوة التي تميزهم عن المنافسين، أعجب الضيف بمقدار الحصة التي استحوذ عليها المصنع من سوق الطلب على المنتج على الرغم من الفترة الوجيزة التي دخلوا فيها السوق. كان فيصل إيجابياً لدرجة منعته من إدراك المتطلبات الاستراتيجية من أجل البقاء في المنافسة لفترة طويلة والمحافظة على المكانة السوقية للمصنع، بل والبحث عن مناطق التحسين اللازمة من أجل ضمان استمرار النمو، ذلك لكون المصنع كان قادراً اليوم على تقديم أفضل ما لديه! ومما يزيد الأمر غرابة، أن غياب إدراك المخاطر التي تهدد صناعته لم تكن في حسبانه، وفي الوقت ذاته لم تكن لدى زملائه العاملين معه أي نظرة أخرى مغايرة لنظرته! نظراً لسيطرة ما يسمى بالتفكير الجماعي عليهم، حين لم يتمكن الجميع ما عدا الضيف من ملاحظة الحاجة لمراجعة استراتيجية المصنع من أجل ضمان بقائه في المنافسة فترة أطول! لكون هذا الضيف كان الوحيد الواقف خارج دائرة ما يسمى بالتفكير الجماعي Group Thinking!
هل سبق أن تساءلت يوماً ما: ما الذي يجعل مجموعة من البشر يفكرون بالطريقة ذاتها إذا كانوا يعيشون الظروف نفسها؟! هل سبق لك أن أمضيت بضع ليالٍ في أحد الفنادق وخطرت لك الكثير من مناطق التحسين المحتملة، أو بعض المجالات لتخفيض التكاليف، أو زيادة العوائد، ثم تتساءل بتعجب: لِمَ لا يفعلون كذا بدل كذا؟ تقود سيارتك في أحد الشوارع، ويلفت نظرك تعديل طفيف يجعل حركة المرور أسهل، إلا أنه ورغم بساطة علاج المشكلة فإن الحيلة أعيت صاحب القرار من التوصل للحل!
الكثيرون منا يقعون في هذا المأزق، وهو أحد أخطاء التفكير الشائعة، حين يفكر مجموعة من العاملين بالطريقة ذاتها لمعالجة مشكلة ما ولا يتوصلون إلى حل، ليس بسبب قلة الخبرة، أو غياب المهارة! إنما بسبب الوقوع في مصيدة التفكير الجماعي. وفي معظم الأحيان يأتي الحل بمجرد الخروج من هذه المصيدة، بل الغريب في الأمر أن الحل ربما يأتي دون تفكير منهجي وفي ظروف خارج المشكلة تماماً، ربما بعض الأحيان قبل النوم أو ربما عند الاستحمام، وتسأل نفسك بعد التوصل للنتيجة: لِمَ لم أفكر بهذه الطريقة من قبل؟!
عند تطبيق مبدأ الحكومة الإلكترونية في إحدى الدول المجاورة، كانت إحدى أهم المعوقات التي واجهتم، هي تدني الخدمة البريدية والحاجة إلى تطويرها، وضمان تقليص الزمن اللازم لإعادة الوثائق بعد التجديد، خمنوا ماذا حدث؟! لقد قاد الفكر اللاتقليدي أحد القائمين على المشروع إلى الاستعانة بخدمة توصيل البيتزا الشهيرة في المدينة من أجل محاكاة نظام التوصيل السريع، والسؤال هو: هل بإمكانك أن تقبل دفع ثمن قطعة بيتزا باردة؟ لا أظن ذلك!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي