خريطة استثمارية للإمارات
يشكل الإعلان عن تدشين أول خطة استثمارية على مستوى الإمارات تطورًا لافتًا وصحيحًا، خصوصًا في ضوء تراجع ترتيب الإمارات في بعض المؤشرات الدولية ذات الصلة وعلى الأخص جلب الاستثمارات والتنافسية. وتم الكشف عن الخريطة الاستثمارية في الأسبوع الماضي قبل إطلاقها بشكل رسمي ومتكامل في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
ويمكن تفهم عملية إطلاق الخطة في وقت متأخر من العام الجاري بغية تطوير بعض القوانين على مستوى البلاد لضمان البدء الصحيح للمشروع الحيوي الذي يندرج في إطار رؤية الإمارات 2021. وتبين من تجربة أزمة مديونية دبي في نهاية 2009 أن الإمارات في حاجة إلى تطوير بعض القوانين حتى يتسنى لها توفير الثقة اللازمة لاستقطاب أنواع مختلفة من الاستثمارات الأجنبية.
القطاعات المستهدفة
حقيقة القول، تتميز الخطة بشمولية القطاعات والصناعات المستهدفة تشمل صناعة الألمنيوم والسيارات والطيران وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات المالية والإلكترونيات والهندسة والتكنولوجيا الصناعية والرعاية الصحية والبتروكيماويات والتعليم وصناعة المعرفة والأدوية. وعليه، تتمحور الخطة حول نقل التقنية وتعزيز اقتصاد المعرفة، أي أمور حيوية في عصر العولمة.
بل من شأن استقطاب استثمارات متنوعة المساهمة في تحقيق هدف استراتيجي، وتحديدًا ضمان حدوث تنوع اقتصادي بعيدًا عن الاعتماد على القطاع النفطي. في الوقت الحاضر، يعد القطاع النفطي حجر الزاوية فيما يخص دخل الخزانة العامة والتصدير، وربما زادت أهميته النسبية في السنوات القليلة الماضية على خلفية ارتفاع وبقاء أسعار النفط مرتفعة. يسهم القطاع النفطي بنحو ثلاثة أرباع الإيرادات والصادرات، الأمر الذي يجعل الاقتصاد الإماراتي تحت رحمة التطورات والتعقيدات المرتبطة بسوق النفط العالمية.
كما توفر الاستثمارات الأجنبية المستهدفة فرص عمل للمواطنين الذين بدورهم يقبلون العمل في مجالات واعدة خارج القطاع العام. كما هو الحال مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي، تعاني الإمارات ظاهرة النمو، تمثيل المواطنين دون سن العشرين نحو نصف السكان، وذلك على خلفية النمو السكاني المرتفع نسبيًا، أي في حدود 3 في المائة.
11 دولة
هناك تميز آخر للخريطة الاستثمارية عبر تركيزها في المرحلة الأولى التي تمتد لسبع سنوات لاستقطاب استثمارات من 11 دولة فقط، هي: الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، اليابان، ألمانيا، إيطاليا، الصين، الهند، كوريا الجنوبية، البرازيل، الأرجنتين، وتركيا. يعتمد الاختيار على متغيري القدرة على توفير تقنيات متطورة ووجود فائض في ميزان الاستثمارات الأجنبية. لكن في الوقت الذي يمكن تفهم اختيار البرازيل لا يمكن بالسهولة قبول وضع الأرجنتين على القائمة، وربما كان من الأفضل اختيار تشيلي، التي بدورها تعد أكثر اقتصاديات جنوب القارة الأمريكية تنافسية.
لكن يلاحظ غياب دول مثل فرنسا رغم تميز اقتصادها؛ كونها ضمن الدول الصناعية الكبرى ولها باع في مجال تصدير التقنية المتطورة، خصوصًا في مجال الخدمات. وكذلك الحال بالنسبة لكندا العضو في مجموعة الثماني، ويمكن ربط الأمر بالخلاف الذي شب بين الجانبين في أعقاب رفض السلطات الكندية منح المزيد من حقوق الهبوط للطائرات الإماراتية في المطارات الكندية. بيد أنه يمكن تفهم عدم وضع روسيا ضمن الدول المستهدفة لاستقطاب التقنية منها كونها بدورها تعمل على جلب مختلف الاستثمارات الأجنبية لتطوير اقتصادها بعد عقود من الاقتصاد الاشتراكي.
تراجع الترتيب
كما أسلفنا، يمكن تفهم توجه الإمارات لوضع خريطة استثمارية مدعومة بقوانين عصرية بهدف استقطاب استثمارات متطورة، وذلك بالنظر للتراجع الذي حصل لأداء الدولة على بعض المؤشرات ذات العلاقة في الآونة الأخيرة. فقد تراجع ترتيب الإمارات من المرتبة الثانية إلى الثالثة على مستوى دول مجلس التعاون في تقرير الاستثمار الدولي لعام 2010 ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو الأونكتاد. فحسب التقرير، انخفض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للإمارات من 13 مليار دولار في 2008 إلى أربعة مليارات دولار فقط في 2009.
ويعود هذا التراجع لأمور مثل بطء إجراءات تحديث قوانين العمل التجاري، خصوصًا الإفلاس والإعسار، التي باتت مهمة في أعقاب الأزمة المالية العالمية والتي تجلت في 2008 من جهة وأزمة مديونية دبي التي ظهرت للعيان في نهاية 2009. وفي المقابل، زادت قيمة الاستثمارات الأجنبية الواردة لقطر في عام 2009 لأكثر من الضعف إلى 8.7 مليار دولار، وعليه حلت مكان الإمارات في المرتبة الثانية بين الدول العربية قاطبة بعد السعودية. استقطبت السعودية استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 35.5 مليار دولار، أي نحو 52 في المائة من قيمة الاستثمارات الواردة لمنطقة غرب آسيا.
إضافة إلى ذلك، تعرض الاقتصاد الإماراتي لنكسة أخرى على مؤشر التنافسية الاقتصادية لعام 2011-2011 ومصدره المنتدى الاقتصادي العالمي. وبشكل أكثر تحديدًا، تراجعت الإمارات مرتبتين إلى الرقم 25 دوليًا، الأمر الذي سمح للسعودية بحلول مكانها في المرتبة الثانية على مستوى العالم العربي بعد أن نجحت المملكة بالتقدم سبع مراتب، وعليه حلت في المرتبة الـ21 دوليًا. بدورها، حلت قطر في المرتبة الـ17 دوليًا، أي أفضل بين الدول العربية.
ختامًا، بقي علينا الانتظار لمعرفة نتائج خريطة الاستثمار بالنسبة لاقتصاد الإمارات.