المرأة وعملها من منزلها

عندما كتبت في مقالات سابقة عن المرأة ومستقبل التنمية وأهمية وضع الرؤية التنموية لعمل المرأة في السعودية، خصوصا السعوديات منهن، وعدم ترك الأمور للزمن للقيام بتحديد الرؤية والطريق وفقا لما يراه الآخرون لنا سواء اتفقنا أو اختلفنا مؤقتا معهم، وسواء كنا نعتقد أن هناك مؤامرة تحال ضدنا وضد نسائنا أو لم تكن هناك مؤامرة.
وذكرت أن مواجهة المتغيرات الاجتماعية والوظيفية والاقتصادية والتعليمية وفرص العمل أمر محتوم، وأن محاولة المماطلة فيه أو تأجيله لن يقودنا أبدا لخير؛ وذلك لأسباب كثيرة لم تعد تخفى على أعمى البصيرة قبل أعمى البصر.
وذكرت في مقال سابق أيضا أن المرأة لم تعد تتعلم اليوم من أجل العلم فقط، إنما من أجل العلم والعمل، وربما العمل أصبح مقدما على العلم للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وأن المرأة وفقا لذلك المتغير أصبحت مسؤولة عن نفسها وأسرتها الصغيرة والكبيرة مثلها مثل الرجل، وفي بعض الأحوال أكثر.
إن هذا التغير الاجتماعي والاقتصادي يتطلب وضع الرؤية والخطط والبرامج التي تساعد على تحقيق ما يحقق لها ما تريد دون الإضرار بها الإضرار النفسي أو الجسدي، وسبق أن طرحت في هذا السياق بعض المقترحات حول عمل المرأة وأماكنها ومنها ''عمل المرأة في منزلها'' وأهمية إعطاء راتب للمرأة التي تعمل في منزلها، ويكون ذلك الراتب وفقا لسلم رواتب خاص وحسب تعلم المرأة ومشاركتها في بناء وتعلم أسرتها من داخل بيتها.
ذكرت في ذلك المقال أن هناك أيضا توجيها يمكن النظر فيه ودعمه من خلال عمل المرأة من منزلها، وهذا يختلف لمن أساء فهم المعنى بين ''في منزلها'' و''من منزلها''، لأن ''في منزلها'' يعني العمل من أجل زوجها وأبنائها ومن في حكمهم، وعملها ''من منزلها'' يعني أن تمارس عملا يرتبط بالآخرين، لكن دون الحاجة إلى الخروج بشكل يومي ومستمر من المنزل.
وعملها من منزلها يتطلب تطوير أدواته وآلياته وتقديم الدعم المادي والمعنوي واللوجستي لتحقيق ذلك من خلال الاهتمام بشبكات الاتصالات وتقنية المعلومات والرفع من أدائها وجودتها بحيث لا تصبح عائقا في قيام المرأة بأداء عملها، خصوصا ما يتطلب الكتابة والترجمة والمراسلة، ومن الجهة الأخرى يمكن تطوير العديد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمكن المرأة من أدائها من منزلها، وتكون ذات فائدة على مجتمعها، وتحقق لها دخلا ماديا مناسبا.
كما أنها تستطيع أن تطور من أعمالها من منزلها وتوظف العديد من السعوديات معها ويكون عملا مفيدا لها ولبنات وطنها، ويحقق لها عائدا اقتصاديا جيدا ومستمرا.
إن العمل من خلال إيجاد قنوات عمل للمرأة السعودية يساعدها على الحياة الكريمة، ويبعدها من مزالق الفساد أو الريبة أو حتى الإرهاق غير المبرر، ويبارك حياتها وحياة أسرتها، وربما يضعف الترابط الأسري داخل أسرتها الصغيرة والكبيرة، وهو خير ما تقدمه للمرأة السعودية بشكل خاص والمرأة المسلمة بشكل عام، ثم ربما يكون نموذجا لعمل المرأة على مستوى العالم.
أعلم أن مثل هذه الآراء قد يرى البعض المبالغة في طرحها وأنها عكس ما يتجه له العالم، وأنها ربما تعد نوعا من الوصية أو الوصاية على المرأة وعملها، وتحجيم دورها في الحياة، أو أنها أسلوب لإعادتها لبيت ''سي السيد'' أو .. أو، وربما يحارب هذه الفكرة الرجال ممن يرون أهمية وجود المرأة ضمن منظومة عمل الرجل، حتى إن بعضهم سواء داخل المملكة أو خارجها ينظرون إلى عمل المرأة مع الرجل على أنه جزء أساسي من أثاث وكماليات المكتب، ومع أنني أعتذر عن مثل هذا القول إلا أنه - مع الأسف الشديد - فكر العديد من الرجال بغض النظر عن دينهم أو جنسياتهم أو ثقافاتهم. خلال تجربة معرفية محلية وعالية على مدار أكثر من 30 سنة، وفي الحوارات الذكورية بشكل خاص يكون هذا هو الفكر السائد بين أغلب الرجال، وعندما يتم الحوار حول عمل المرأة وأهمية إيجاد فكر مختلف لعملها يضمن لها الكرامة ويبعدها عن الاستغلال والإساءة تجد المحاربة لهذا الفكر؛ لأنه يخرج عن رغبتهم في تحقيق مصالحهم.
كما ذكرت سابقا وأكرر ذلك دائما لا بد أن نعمل على تقديم نموذج متوازن ومتوافق مع ثوابتنا الدينية وعاداتنا المحلية لعمل المرأة سواء ''في منزلها'' أو ''من منزلها'' أو ''خارج منزلها'' دون أن نفقدها كرامتها واستغلالها واحترامها، ودون أن نعرضها لأي نوع من الابتزاز أو المضايقة أو المساومة التي لا يعلمها إلا الله ثم من يتعرض لها من نسائنا، أو يقوم بها من بعض رجالنا. وللموضوع عودة مرة أخرى بزاوية أخرى.

وقفة تأمل:
''ليس سر الحياة أن تعمل ما تحب فقط، بل أن تحب ما تعمل، وعمل يجهد خير من فراغ يفسد''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي