الأمن الوطني والأمن المدرسي
يصف فلاسفة التربية المدرسة بأنها صورة مصغرة للمجتمع الكبير، فإن كانت المدرسة بيئة صالحة فإنها تصنع خلال بضع سنين مجتمعًا صالحًا، أما إذا كانت مرتعًا للمباهة بالقبيلة والمنطقة فستنتج جيلاً يغيب وطنه عن شعوره على حساب دعاوى القبيلة والمنطقة.
ومن هنا تكمن أهمية البيئة المدرسية السليمة وخطورة مهمة التربية والتعليم، فالطالب المدخن في الخفاء عن أعين المعلمين، والذي يكرر الهروب من المدرسة، والواقف على ناصية المدرسة بعد انتهاء الاصطفاف الصباحي وبدء الدرس الأول، والمعتدي على زملائه باللسان أو باليد وغيرها من المظاهر قد يكون هذا الطالب بعد أعوام متعاطياً للمخدرات ومروجًا لها، سارقًا من أرباب السوابق.
ونظرًا لأن كل مجرم غدًا هو طالب في مدارسنا اليوم، فإن المسؤولية كبيرة اليوم على مدير المدرسة وعلى المرشد الطلابي، وعلى كل معلم لاكتشاف بداية أي انحراف في سلوك الطالب، ومن ثم التصدي له بأسلوب علمي وليس بالسعي لإخفاء مظاهر المشكلة، غالباً بأسلوب العنف تجاه الطالب ذي الخاطئ، أو السعي لمصالحة الطالبين المعتدي والمعتدى عليه؛ بل يجب أن يشترك في خطة العلاج ولي الأمر وأبرز المعلمين الذين يعلمون الطالب بإشراف مدير المدرسة والمرشد الطلابي.
إن أمننا الوطني غدًا انعكاس لأمننا المدرسي اليوم، فالمدرسة المنضبطة اليوم المحافظة على حقوق وواجبات كل فرد فيها، التي يسودها الاحترام وبها معالجة واضحة وسريعة لأي خلل أو تعدٍ داخل أسوار المدرسة، التي يعرف كل طالب فيها ما له وما عليه، ويستطيع أن يعبر عن ذاته دون خشية من أن يحجر على رأيه أو يسفه فكره، والقادر على قول كلمة لا وقتما يريد، وأن يرد على الحجة بالحجة، وإقامة الحوار البناء هو من يصنع أمننا الوطني. وهو الذي يستطيع أن يرد على محرض الإرهاب ومفتي السوء وداعية الجهل ويقولها صريحة (لا) كما تعلمها ومارسها من قبل في مدرسته لكل من عرض عليه طريق الجريمة وسبيل الفساد، ويستطيع أن يقنع إخوانه وزملاءه بأن يعودوا إلى جادة الرشاد حالما تغربهم دعوات دعاة الضلال.
إن المدرسة الفاعلة هي مصنع بناة الوطن، المدافعين عن حياضه، القادرين على تحقيق تقدمهم وتقدم من حولهم على أن تكون المدرسة بيئة تربوية وفكرية خصبة للأفكار والجهود المخططة وفق رؤية مستقبلية شمولية، والمتابعة عملياتها لرصد أي قصور أو خلل، ومعالجته أولاً بأول، لا أن تكون المدرسة مكاناً لتجميع الأبناء من السابعة صباحًا وحتى الواحدة ظهراً يستقوى خلالها الكبير على الصغير ويركض بينهم معلم يسعى لاستكمال شرح المنهج وختم الكتاب المقرر دون النظر إلى سلوكهم ومشاعرهم وأفكارهم وهمومهم وآمالهم.