لا شاغر لك!
الحديث اليوم عن المتعلمين بشهادات عليا! فوق الجامعية، تحديداً!
سأحكي لكم واقعاً يقول:
تقدم الرجل، بعد حصوله على الشهادة، إلى جميع الجهات التي تشترط في المقام الأول إجادة اللغة الإنجليزية وتطبيقات الكمبيوتر قبل أي شيء آخر. ومنها: (مستشفيات، برامج طبية، جامعات ناشئة، كليات، معاهد... إلخ).
كان يصطدم في كل مرة بجواب من وجهين.. لا ثالث لهما:
أولاً: عن الوظائف الأكاديمية.. كان الرد المؤسف هو: نحن نريدك، بل نفخر بك وبخبراتك.. ولكن! لقد تجاوزت الثانية والثلاثين!! سنحاول اجتياز هذه العقبة ببعض التوصيات.. ونتصل بك! (طبعاً لا يتصل أحد!).
ثانياً: عن الوظائف الإدارية.. يكون الرد عادة، في المقابلات الشخصية، هو بالاستفسار: وهل سيقبل من هو مؤهل مثلك بشغل وظيفة مخصصة أصلاً لحملة البكالوريوس والدبلوم؟! هذه الوظيفة لا تناسب خبراتك حتى قبل مؤهلك الجديد.. فهل ستقبل؟ ولو أجاب الرجل بـ (نعم)! سيأتي إذلال من نوع آخر وبثوب جديد.. يقولون فيه: لماذا تستغل الأعلى.. للرضى بالأدنى؟!
طبعاً اللجان لا يعنيها كثيراً أن مكتب التوظيف اتصل ورشح الرجل للوظيفة، فبينما رأى مختصوه أنه مناسب لشغلها، تجتمع اللجان، في المقابل، في يوم واحد لتنفض صبر شهور من انتظار المتقدمين! والمتضرر دائماً هو المتقدم، سيئ الحظ، الذي لن يجني من كل هذا سوى صراع نفسي مرير سيؤثر على قراراته في التقدم لوظائف أخرى لشهور قادمة! آخذين في الاعتبار.. استمرار البطالة بصحبة مؤهل عال.. وعبء خبرات متراكمة من تاريخ وظيفي قبل السفر للدراسة.
الظاهر للسطح، إعلامياً واجتماعياً، هو استفادة من تم ابتعاثهم من قبل جهات عملهم الأصلية، وهذا ما قد يذر الرماد في عيون المتابعين. أما من استقال من عمله أو تنازل عن وظيفة، بشكل أو بآخر، وقرر السفر للظفر بمساحة في فضاء الابتعاث الرحب.. فمشواره قاس جداً حال عودته. خصوصاً أن جل هؤلاء هم من أرباب الأسر.. ولديهم من المسؤوليات ما يقصم ظهر الفيل.. لا البعير!
وعلى هؤلاء، أقترح، أن يفكروا جدياً في البحث عن واسطة قبل عودتهم بشهور! فالمسألة في جملتها لا تحل إلا بالواسطة! وحدث نفسك، متسائلاً، قبل أن تكتئب.. بما يلي:
- كيف سيوصي عضو اللجنة (الراغب في ضمك إلى إدارته) بتوظيفك، وأنت أكثر كفاءة منه ومعرفة؟ هل وصل أصحاب المناصب إلى هذه الدرجة من الإيثار؟
- كيف ستعفي اللجنة نفسها من مغبة اتصال صاحب نفوذ والاستفسار قائلاً: "كيف عطيتوا الوظيفة لهذا.. وتركتوا ولدنا؟"
أكتفي بهذين الاستفسارين.. وأنت سيد قرارك!
على كثرة ما يصلني من شكاوى.. ولكثرة ما أتابع من تجارب، خلصت إلى حقيقة واحدة في هذا الشأن: لا توجد جهة تحتمل التوظيف من خلال المؤهل فقط، وبنسبة تتجاوز 70 في المائة من المتقدمين والمتقدمات بشكل نظامي، سوى وزارة التربية والتعليم! فـ "من حينها" وهي الإناء الأعمق لاحتواء الآلاف في وظائف معلمين ومعلمات. لكن شريحة المتعلمين اليوم تخطت شهادة البكالوريوس.. إلى الماجستير والدكتوراه في أحيان كثيرة!!
فـ (إلى الأمام يا "تربية").. لن تنفع مع هذا العدد الهائل من العائدين بحدائق تخصصات!
لذا أجدني أصدق قولا حين أهتف: إلى "الوسطنة" يا.. سواها!