مارشملو
قامت معلمة الصفوف الأولية في إحدى المدارس الغربية بإجراء اختبار سلوكي على مجموعة من الأطفال؛ في هذا الاختبار وضعت المعلمة قطعة واحدة فقط من حلوى "المارشملو" في طبقٍ أمام كل طفلٍ ومن ثمَّ غادرت الغرفة متعذرة بالذهاب لإحضار شيء قد نسيته، مع وعدها لكل طفلٍ بأن تمنحه قطعة "مارشملو" أخرى في حال وجدت القطعة الأولى كما هي لم تؤكل عند عودتها بعد خمس دقائق، وبالتالي تركت كلَ طفلٍ على حدة يقاوم رغبته العارمة في التهام قطعة "المارشملو" الأولى من أجل أن يحصل على قطعة ثانية بعد عودة المعلمة!
كانت تعبيرات الأطفال عفوية وصادقة في التعامل مع الموقف، وصورة التجربة أبلغ من أي تعليق!
يا له من اختبار قاسٍ لدرجة التحمل، ومن الذي سيتعلم الدرس؟! أطفالٌ في غاية البراءة وفي غاية البعد عن المسؤولية في الوقت ذاته! هل لك أن تتصور الأثر الذي سيتركه اختبار كهذا في هذا العمر المبكر على حياة هؤلاء الأطفال في المستقبل؟
إن حاجة الطفل إلى تعلم النظام وضبط النفس في عمر مبكر، تجعل تحول هذا السلوك المنضبط إلى جبلة وطبع أمراً في غاية السهولة، ومن دون أدنى مقاومة في المستقبل. وهذا الأمر لا تتحمله المؤسسات التربوية الرسمية فحسب، بل هو مسؤولية حتمية للوالدين في المنزل. وكثيراً ما يغيب عن الذهن، التقدير الصحيح لمستوى الإدراك لدى الطفل وإمكانية استيعابه للكثير من المفاهيم السلوكية في عمر مبكر، وبالتالي إمكانية غرس المفاهيم الحضارية لديه، ومنحه القدرة على رفض السلوكيات المعيبة وغير السوية، مما يتولد عنه تعزيز مبدأ الرقابة الذاتية.
إن المجتمع في واقع الأمر أصبح مليئاً بالكثير من غير المنضبطين من البالغين للأسف، إذ إنه من الصعوبة بمكان أن يتم تطبيق النظام على أفرادٍ لم يتحملوا المسؤولية في عمر مبكر، ولم يعتادوا على السلوك المنضبط حين كانت لديهم القدرة على القبول والاكتشاف من دون أي مقاومة، وبالتالي لم تبنَ لديهم الحصانة الذاتية من الصغر، فالوقاية خير من العلاج، وتقويم السلوك أصعب ولا شك من زراعة القيم الأصيلة منذ البداية.
ومن الجلي بعد هذا البسط، أهمية تأسيس هذه القاعدة الأساسية من البناء السلوكي القويم عند الطفل منذ نعومة أظفاره، لتتكون لدى المجتمع قاعدة أخلاقية راسخة البناء، تجعل جميع أفراده يشتركون في تطبيق النظام ومحاسبة المخالفين، وهو بالتالي يجعل إمكانية التأثير الإيجابي المتبادل بين أفراد المجتمع في تقويم السلوك وصعوبة التأثر بالسلوكيات السلبية أمراً حتمياً - بإذن الله تعالى.