أهداف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد واختصاصاتها (2 من 6)
الحمد لله العزيز القدير، والصلاة والسلام على الرسول النذير، وبعد، تواصلا مع ما سبق في المقال الأول نتكلم عن أهداف واختصاصات الهيئة التي تمثل الجزء الأكبر في تنظيم الهيئة لأهميتها، إذ نُص عليها في (21) فقرة، ولذا قد يستغرق الحديث عنها في مقالين، ففي ديباجة النص ركز على أن الهيئة تهدف إلى حماية النزاهة، وتعزيز مبدأ مهم، وهو الشفافية التي تعني الوضوح والصراحة والحياد والاستقلالية، وهذا بطبيعة الحال يحقق مهمة مكافحة جرائم الفساد المالي والإداري بشتى مظاهره وصوره وأساليبه المختلقة، وهذا يتأتي من خلال الاختصاصات العديدة التي وضحت في الفقرات التي نتكلم عنها تباعاً، وبشمولية تكفل الترابط والتكامل، ففي الفقرة الأولى نُص صراحة على متابعة الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام، ومصالح المواطنين بما يضمن الالتزام، والتنفيذ لكل ما جاء بها لتتحقق الفائدة والغرض من إصدارها، وفي الفقـرة الثانية أكد على أهمية التحري التام عن أوجه الفساد المالي، والإداري بمختلف أنواعها التي قد تحصل في عقود الأشغال العامة، وعقود التشغيل والصيانة، وغيرها من العقود الأخرى المتعلقة بالشأن العام، ومصالح المواطنين في الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، وفي سبيل ذلك لا بد من اتخاذ كل الإجراءات النظامية اللازمة والضرورية بشأن أي عقد يظهر أنه ينطوي على فساد وإفساد، أو أنه أبرم أو يجري تنفيذه بما يخالف أحكام الأنظمة واللوائح النافذة، (أي ما يطلق اللوائح التنفيذية للأنظمة)، وهذا التركيز لكون العقود هي التي يكون مجال الفساد فيها متهيئا نتيجة ما قد يحصل فيها من ثغرات، وهفوات في نصوص العقد، أو في الشروط والمواصفات ما قد يؤدي إلى الاستغلال المالي بالطمع والتشجع الذي يلجأ إليه بالغش، وسوء التنفيذ بسبب عمى البصر والبصيرة وموت الضمير.
والفقرة الثالثة تركز على جوانب مهمة من اختصاصات الهيئة من ذلك إحالة المخالفات والتجاوزات المتعلقة بالفساد المالي والإداري عند اكتشافها إلى الجهات الرقابية المختصة، أو جهات التحقيق حسب مقتضى الأحوال التي تظهر بشكل واضح، وفي الوقت نفسه لا بد من إبلاغ رئيس الجهة التي يتبعها الموظف المتهم بالمخالفة بما يتم من إحالات، ولا ينتهي دور الهيئة عند هذا فقط ، بل لا بد للهيئة من الاطلاع على مجريات التحقيق، ومتابعة سير الإجراءات في هذا الشأن، وحسبما تراه الهيئة، فإن لها أن تطلب من الجهات المعنية اتخاذ كل التدابير الاحترازية أو التحفظية وفقاً لما يقضي به النظام من حيث توافر الأدلة والقرائن الواضحة التي تثبت ارتكاب أفعال تدخل في مفهوم الفساد الحقيقي تجنباً لأي ظلم، أو تجاوزات مخلة بأصول التحقيق، واتخاذ التدابيرعندما يعتمد على اجتهادات لا يعززها دليل واضح، وفي جميع الأحوال إذا رأت الهيئة أن المخالفات والتجاوزات تمثل بعداً مؤسسياً لأي من الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، فإن عليها المبادرة برفع الأمر إلى الملك لاتخاذ ما يراه باعتباره ـ حفظه الله ـ القائد الأعلى، وولي الأمر الأول الحريص كل الحرص على الإصلاح والأمن والاستقرار والاستتباب في كل الأمور.
أما الفقرة الرابعة فقد قضت بأن يتم العمل الجاد والدقيق على تحقيق الأهداف الواردة في الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة، ومكافحة الفساد التي سبق أن تكلمت عنها في مقالي بعنوان (مكافحة الفساد من أهم مقومات الحياة المستقيمة "2") المنشور في هذه الصحيفة بتاريخ 20/5/1432 هـ الموافق 24/4/2011 ، ومن أجل تحقق ما ذكر لا بد من متابعة تنفيذ الأهداف مع الجهات المعنية، ورصد النتائج والتقويم والمراجعة لكل ما يتخذ، وما يستتبع ذلك من وضع برامج العمل وآليات تطبيقها بعناية.
وقد نُص بشكل واضح على الاهتمام بتشجيع جهود القطاعين العام والخاص بشأن تبني خطط واضحة، وبرامج لحماية النزاهة لأن هذا يحقق مكافحة جرائم الفساد باعتباره الأهم في إصلاح المجتمع، وضرورة متابعة تنفيذ الخطط والبرامج، وتقويم النتائج، وهذا ما أكد عليه في الفقرة الخامسة.
ومن نتائج ما تقدم من اختصاصات، فإن الفقرة السادسة أوجبت متابعة استرداد الأموال والعائدات الناتجة من جرائم الفساد مع كل الجهات المختصة لكون ذلك يُعد من أهم نتائج مكافحة جرائم الفساد، وكي يُدرك كل مجرم أن الإثراء بدون عمل نزيه له تداعيات، وعواقب جسيمة، ونتائج وخيمة.
ومن أجل ضمان تحقيق أهداف الهيئة وتنفيذ اختصاصاتها المتعددة، فقد نص في الفقرة السابعة على أهمية مراجعة أساليب العمل والإجراءات التي تتخذ للتنفيذ في كل الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة بما يكفل كشف كل نقاط الضعف، وتحديدها بشكل واضح لأنها يمكن أن تؤدي إلى ارتكاب جرائم الفساد، ومن ثم المعالجة الجادة والسريعة لكل النقاط التي تتكشف للحيلولة دون ارتكاب جرائم الفساد.
ولا شك أن من أهم اختصاصات الهيئة ما يُعد بمنزلة الوقاية من حصول الفساد واستشرائه، ولذا نص في الفقرة الثامنة على أهمية اقتراح الأنظمة والسياسات التي تمنع ارتكاب جرائم الفساد، بل مكافحة حصول جرائم الفساد بالسبل الفاعلة والمؤثرة، وليس هذا فحسب، بل تمتد الجهود المخلصة بإجراء المراجعات الدورية المستمرة للأنظمة واللوائح التي لها صلة وثيقة بالوقاية، ومكافحة جرائم الفساد، وذلك بغية معرفة مدى كفايتها وفاعليتها، ومن ثم العمل على تطويرها وتحديثها إلى ما هو أفضل وأنجح في الوقاية والمكافحة للفساد، ولتحقيق هذا كله لا بد من الرفع عن كل المعطيات التي تظهر من المراجعات المستمرة إلى ولي الأمر (الملك حفظه الله) حسب الإجراءات النظامية المتبعة، وما ذلك إلا لكون مرتكبي جرائم الفساد يسلكون كل السبل السرية المنوعة والمختلفة لتحقيق مآربهم، وتؤدي للحيلولة دون كشف سلوكياتهم، ناهيك عن أساليب المقاومة التي يقومون بها ضد الجهات الأمنية للحيلولة دون القبض عليهم، وهذا هو سبب ما ركز عليه في هذه الفقرة .
ما سبق إيضاح لأهداف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وجانب من اختصاصاتها المختلفة، وتلافياً للإطالة المملة رأيت أن أترك الحديث عن جانب من الاختصاصات إلى المقال الآتي - إن شاء الله - وذلك أدعى لتحقق الفائدة للقارئ الكريم الذي نكتب من أجله، والله الموفق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.