قتلة البشر
أثناء زيارته معرضا تشكيليا للفنانين الشباب مع بضعة من أصدقائه، ومن خلال ذائقته الفنية العالية والمتخصصة، أخذ يقيّم اللوحات ويبدي ملاحظاته الدقيقة بل أحياناً اللاذعة لمرافقيه في الزيارة، كان المعرض يغص بالزوار، لدرجة لم يدرك معها أن هؤلاء الفنانين الشباب الذين أنجزوا هذه الأعمال كانوا من ضمن الواقفين بين زوار المعرض في اللحظة ذاتها!
كان الكثير من ملاحظاته اللاذعة تصب مباشرة من فمه في آذانهم، ولك أن تتخيل حجم الألم الذي سيلحقه نقد لاذع لشابٍ موهوب في بداية مسيرته الإبداعية ووضعه على طريقٍ مختصر للفشل! إضافة إلى قرب احتمال أن يكون هذا الشاب مركزاً لنقدٍ مركّب يرشقه به أقرانه الذين سلِموا من هذا النقد إما عن استحقاق وجدارة أو عن طريق المصادفة، فصاحبنا بطل القصة، أوجد لهؤلاء المبرر ليصبوا مزيداً مما لا ولن يفيد من هم من أمثال هذا الشاب المترقب للمساندة المعنوية اللازمة له ليقف على أولى عتبات النجاح.
هل سبق أن حدث لك شيء مماثل، إما في طفولتك أو في أي مرحلة من مراحل حياتك؟ وهل وقعت في مأزقٍ كهذا حين مارست هذا النوع من النقد عمداً أو ربما عن غير قصد، تجاه من يتوقع منك شيئاً مغايراً تماماً؟ هل عملت يوماً ما على برنامجٍ لتخفيف الوزن أفقدك 25 كيلوجراماً كانت تشكل 25 في المائة من وزنك، وعوضاً عن أن يصلك ثناء من يراك! إذ به يطلق عليك سهماً من حسده قائلاً: لا بأس عليك، فجسمك هزيل هل تعاني مرضا ما؟!
إن المسؤولية لتقديم الدعم المعنوي اللازم للكفاءات الشابة، تتعاظم حينما نكون مسؤولين عنهم مسؤولية مباشرة، من خلال موقعنا الوظيفي في المؤسسات الرسمية، وأهم ما في الأمر أن هذا الدعم المعنوي ليس له أي تكلفة مادية، وكل ما في الأمر أن تكون لدينا حساسية عالية عندما نتعامل مع الموهوبين. إنه لمن غاية الجهل أن يكون موضع المسؤولية المباشرة في تقديم الدعم، هو من يعمل على إعاقة مسيرة النبوغ والتميز لدى هؤلاء الشباب، ولن نستطيع أن نرفع من كفاءة شبابنا إذا كنا غير مؤمنين بقدراتهم وكفايتهم وقدرتهم على التعلم، إلى جانب دورنا الأساسي من موقع مسؤوليتنا المباشرة أو حتى غير المباشرة عن طريق نظرتنا الإيجابية لهم، وصبرنا وتحملنا لتلك المسؤولية مستشرفين إمكانية أن يكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع، بالعمل على تحويل طاقاتهم لقنوات إيجابية نافعة، في حال كانوا على طرق غير سوية.
لذا لا بد أن يتحمل كل منا مسؤوليته للتعامل مع الموهوبين وأصحاب الكفاءة بكفاءة وحساسية للأثر المتوقع لتعاملنا البيني معهم، إذ من المحتمل أن تنهي مشروع بناء إنسان مؤثر وفاعل في المجتمع في غيابٍ من رقابتك على ذاتك، وأنت المسؤول!