اختصاصات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (3 من 6)

الحمد لله ذو الفضل العظيم، والصلاة والسلام على المرشد إلى الطريق المستقيم، وبعد، تواصلاً مع ما سبق كتابته في المقالين السابقين، واستكمالاً لشرح وتبيان فحوى وتفصيل ما قضت به نصوص الفقرات المحددة لاختصاصات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أبدأ من حيث وصلت بالفقرة التاسعة التي نُص فيها على أن تقوم الهيئة بإعداد الضوابط اللازمة للإدلاء بإقرارات الذمة المالية لبعض فئات العاملين في الدولة لمعرفة حجم الممتلكات العقارية، والملاءة المالية لكل واحد منهم عند التحاقه بالعمل حتى يعرف مستقبلاً مدى ثرائه، ومصدر الثروة فيما لو ثارت شبهة حصول ارتكاب جريمة من جرائم الفساد خلال عمله في الوظيفة العامة كاستغلال سلطته ونفوذه بأي وجه من وجوه الفساد، وللوقاية والحصانة من حصول ارتكاب جريمة من جرائم الفساد تكون الضوابط التي تُعد مشتملة - أيضا - على أسلوب أداء القسم الوظيفي عند تعيين الموظف، أو تكليفه بعمل مهم له صلة بمسؤوليات صرف وتصريف مال عام بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذه الضوابط التي تُعدها الهيئة بعناية ترفع إلى الملك - حفظه الله - للنظر في اعتمادها متى رأى أنها مناسبة.
وفي الفقرة العاشرة أنيط بالهيئة متابعة تطبيق الأنظمة المجرمة للفساد المالي والإداري في كل الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة طالما كانت تلك الجهات قد أنيط بها واجب التطبيق بجد وحرص شديدين، وذلك لكون تلك الأنظمة تستوجب ذلك، لأن ارتكاب الجرائم تحاط بالسرية والغموض، وغيرها من الاحتياطات المختلفة، والمتنوعة، فضلا عن الاستعداد التام لمواجهة أي مقاومة تصدر من مرتكبي جرائم الفساد للإفلات من قبض السلطة عليهم، وهذا بلا شك يستدعي العمل الجاد والحازم والقوي لتعزيز مبدأ المساءلة لكل شخص مهما كان موقعة ومركزه الوظيفي.
ولكون جرائم الفساد منتشرة ليس محلياً فقط، بل إقليميا ودولياً، فقد أبرمت اتفاقيات دولية تتعلق بحماية النزاهة ومكافحة الفساد قد تكون المملكة طرفاً فيها كلها أو في بعضها، لذا كان من اختصاصات الهيئة الحرص التام على متابعة كل الالتزامات الواردة في كل اتفاقية تكون المملكة طرفاً فيها، وذلك حسبما تقضي به الفقرة الحادية عشرة من تنظيم الهيئة.
الهيئة مهما كان مستوى العاملين فيها وإمكاناتها، قد لا تكون قادرة ومتمكنة بشكل تام من كشف وضبط كل جرائم الفساد، لذا كان لا بد من تعاون الجمهور معها، ولتحقيق ذلك نصت الفقرة الثانية عشرة على أن توفر الهيئة قنوات اتصال مباشر مع الجمهور لتلقي كل البلاغات المتعلقة بتصرفات تنطوي على فساد، وهذه البلاغات لا يؤخذ فيها كمسلمات بصحتها ابتداء، بل لا بد من التحقق الجاد من أنها صحيحة وليست كيدية ومغرضة، وللأهمية فإن ضوابط وآليات ذلك تحدده اللوائح التنفيذية للتنظيم.
إن الشعور بالمواطنة الحقيقة، وليس مجرد الادعاء بها زوراً وبهتاناً، وكذلك أهمية حماية المال العام والمرافق والممتلكات العامة، تستوجب قيام الهيئة بجد وإخلاص وتفان بالعمل الصادق مع الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني بكل الأدوار والجهود التي تحقق الحماية التامة بالتعاون والتآزر الذي يكفل تحقق حسن الإدارة والمحافظة على كل ما ذكر، وهذا ما أكد عليه في الفقرة الثالثة عشرة من تنظيم الهيئة.
وفي الفقرة الرابعة عشرة نُص على أن تقوم الهيئة بتلقي التقارير والإحصاءات الدورية من كل الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، وحسبما تطلبه وما تراه يكفل تحقيق الرقابة التي تعد من أهم واجباتها، ومن ثم القيام بدراسة كل ما تتلقاه بعناية ودقة متناهية حتى تتمكن من إعداد البيانات التحليلية بشأنها، وفي الوقت نفسه اتخاذ ما يلزم حيالها.
ولأهمية البحوث والدراسات المتعلقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد، فإن من اختصاصات الهيئة دعم هذه البحوث والدراسات وحث الجهات المعنية ومراكز البحوث المتخصصة ومؤسسات المجتمع المدني على الإسهام والتعاون الجاد والمستمر في توفير البحوث والدراسات المفيدة التي تمكن من تحقيق حماية النزاهة ومكافحة الفساد، وهذا ما نص عليه صراحة في الفقرة الخامسة عشرة من تنظيم الهيئة.
ومما لا شك فيه أن الفساد ضار ضرراً كبيراً بالتنمية الاقتصادية، وبالتماسك الاجتماعي، وحسب الأسباب والمسببات المختلفة، ولذا كل مطلع على تنظيم الهيئة يجد أن الفقرة السادسة عشرة أوجبت على الهيئة أن تجري الدراسات المُعمقة والقياسات الدقيقة لتأثيرات الفساد على ما ذكر بعناية، وتحليلها التحليل الواضح الذي يظهر لها نتائج نافعة، ومن ثم وضع الوسائل اللازمة لمعالجة كل التأثيرات الضارة، بل محاولة تلافيها مستقبلاً.
إن اختصاصات الهيئة مترابطة حسب تسلسلها، ويكمل بعضها بعضاً، ولذا في الفقرة السابعة عشرة من التنظيم نُص على أن تقوم الهيئة بجمع المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بالفساد مما نوه عنه في الاختصاصات السابقة، والعمل على تصنيفها وتحليلها، ومن ثم بناء قواعد بيانات وأنظمة معلومات خاصة بها يستفاد منها لمكافحة الفساد بكل الوسائل المتعددة، ومنها ما ذكر في الفقرة الثامنة عشرة من حث الهيئة على نشر الوعي بمفهوم الفساد، وإيضاح أخطاره الضارة، وآثاره الهدامة، التي يدركها ويعرفها كل شخص نزيه مستقيم، ويتناساها المجرمون الذين تعمي أبصارهم وبصائرهم المادة، والكسب غير المشروع الذي كون لديهم النزعة الإجرامية، ولذا فإن نشر الوعي وبيان أهمية النزاهة تعزز - فعلاً - الرقابة الذاتية، وليس هذا فحسب، بل تنمي ثقافة عدم التسامح أو التساهل مع مكافحة جرائم الفساد، وهذا يستدعي حث وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المختلفة على التعاون والإسهام في كل ما ذكر حتى تتحقق النتائج المبتغاة في مكافحة الفساد.
وفي الفقرتين التاسعة عشرة والعشرين أبرز أهمية المؤتمرات والمحافل الدولية والندوات والدورات التدريبية المتعلقة بالشفافية وحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وجُعل من اختصاصات الهيئة تمثيل المملكة في تلك التجمعات، بل تنظيمها داخل المملكة حسب مقتضى الحال، ومتطلبات ذلك بما يحقق المصلحة العامة، وأخيراً وليس آخراً قضت الفقرة الحادية والعشرون بأنه يمكن أن يعهد إلى الهيئة بأي اختصاصات أخرى غير ما ذكرت في تنظيم الهيئة.
فيما تقدم انتهاء شرح وتبيان اختصاصات الهيئة بشكل أكثر تفصيلا، مما ورد في النصوص من أحكام وقواعد بشكل مقتضب، راجياً أن يكون فيما كتبت الفائدة والوضوح النافع، وسأتابع الكتابة عما بقي في المقالات القادمة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي