تساؤلات النصف الفارغ من الكأس
''لا تنظر إلى النصف الفارغ من الكأس، بل انظر إلى النصف المملوء منه''، لطالما ترددت هذه العبارة على مسامعنا لحثنا على التفكير الإيجابي ونبذ النظرة السلبية للأمور، لكن خطورة هذه العبارة أنها تجعلنا نركن إلى ما تحقق، ونُغمض أعيننا عن أوجه القصور، باعتبارها الخطوة الأولى في التطور، إذ إن الشعور بوجود مشكلة ومن ثم تشخيصها هو الخطوة الأولى في معالجتها.
عندما يتناهى إلى مسامعنا أن الخطوط الجوية نقلت في العام الماضي مليون راكب بين مطارات المملكة، فيجب ألا نركن لهذا الرقم ونفسره إلا بعد أن نعرف كم راكباً لم يتمكن من السفر بسبب عدم وجود مقعد شاغرٍ؟ كما يجب أن نتساءل: هل وجد من كان من حظهم السفر خدمةً لائقةً تفوق أو على الأقل لا تقل عما يجده المسافرون على شركات الطيران المنافسة؟
إن هذه الأسئلة وغيرها مما يشار إليها بأنها تمثل النظرة لنصف الكأس الفارغ، هل هي السبيل لكشف مكامن القصور وعدم الركون إلى الواقع، وهي التي تجعل غدنا أفضل من يومنا الحاضر.
وبالمثل عندما يقال إن المستشفى المركزي تمكن من معاينة نصف مليون حالة خلال سنة، كما أجرى خلالها ثلاثة آلاف و500 عملية جراحية، فإنه يجب أن يتداعى إلى أذهاننا أسئلة نصف الكوب الفارغ من قبيل كم مريض لم يتمكن الطبيب من معاينته بسبب نقص الأطباء؟ وهل استوفى كل من كان حظهم مقابلة الطبيب كل فحوصهم اللازمة للتشخيص الدقيق؟ وهل أجريت لهم العمليات الجراحية في الوقت المناسب أم تأخر إجراؤها حتى تفاقمت الحالة المرضية وقلت جدوى إجرائها؟ وكم مواطن لم يتمكن من إجراء عملية جراحية ضرورية؟ وغيرها الكثير من الأسئلة التي قد لا نحب أن نسألها فضلا عن أن نجيب عنها.
ويطالعنا المسؤولون في الصحف كل صباح بذكر إنجازاتهم في نصف الكأس الممتلئ، لكن لا أحد يكشف عن نصف الكأس الفارغ، فلا نعلم كم عدد من لم يدعمهم صندوق تنمية الموارد البشرية من الشباب، ولا عدد من لم تقبض عليهم الجوازات ممن لا يحملون إقامات نظامية، ولا عن الفقراء الذين لم يتمكنوا من الحصول على دعم الجمعيات الخيرية، ولا المخالفات المرورية التي لم تضبطها إدارة المرور وغيرها من الأسئلة والمجالات التي لو تمكنا من الوصول لإجاباتها لوضعنا اللبنات الأولى في طريق تشخيصها ومعالجتها، بما يكفل لنا حث الخطى ومسارعتها لتحقيق غدٍ أكثر إشراقاً.