موسم إنشاء الأسر وتكوينها
إنه موسم الإجازة الصيفية، إنه موسم انتهاء الدراسة بالنسبة للطلاب والراحة من معاناة الاستيقاظ منذ ساعات الصباح الباكر، وهو موسم السفر والسياحة لكثير من الموظفين المتشوقين للهرب من روتين العمل اليومي، كما أنه موسم النشاط التجاري لأصحاب الفنادق والشقق المفروشة والاستراحات و''الشاليهات'' والمراكز الترفيهية والمطاعم والمراكز التجارية، ولكنه قبل ذلك كله هو موسم حفلات الزواج والأفراح والليالي الملاح التي يدعى إليها الأقارب والأصدقاء والزملاء للاحتفال والفرح. ولكن عديدا من العرسان الشباب الذين أقاموا هذه الحفلات أبعد ما يكونون عن الفرح أو راحة البال، فمنهم من أثقلت ظهره الديون للوفاء بمتطلبات هذه المناسبة، وعديد منهم لم يجد عشَّ الزوجية المناسب ليبدأ حياته الأسرية فيه إلا بإيجار يكسر ظهره ويستهلك جلَّ دخله، حتى وإن كانت مساحته أكبر من احتياجه، وعدد عناصره أكثر من متطلباته (مثل: دور في فيلا، أو في دبلكس، أو شقة كبيرة بمواصفات وعناصر تفوق احتياجه)، فاقتطاع الإيجار السنوي لمثل هذا النوع من الوحدات السكنية يجعل رب الأسرة دائماً مفلساً أو شبه مفلس، فتكلفة الإيجار السنوي - لعديد منها - يقارب الخمسين ألف ريال. والبعض الآخر من العرسان الشباب يقبل باستئجار أي مسكن حتى وإن كان رديء الجودة في تصميمه أو تنفيذه أو مكوناته، أو كان في موقع غير مناسب أو بعيد عن الحي أو المنطقة التي يرغب في السكن فيها. وهناك من لم يتمكن من الإيجار فرضي بغرفة ودورة مياه في مسكن والديه، ومنهم من اضطر إلى بناء ملحق في سطح بيت والديه أو أحد أقاربه. ولكن الأدهى من ذلك والأمرّ مَن حان وقت زفافه ولم يتمكن من الحصول على المسكن المناسب أو الانتهاء من استكمال بنائه أو ترميمه أو تجهيزه أو تأثيثه، فاضطر ليبدأ حياته الزوجية بالسكن في شقة مفروشة أو في مجلس والديه أو عند أحد أقاربه.
إن اضطرار الأسر المتكونة حديثاً إلى بداية حياتها وهي محملة بتكلفة تفوق مقدرتها المالية، واقتطاع نسبة كبيرة من دخلها للسكن، يدفع بها للدخول في دائرة الاقتراض ودوامته المستمرة التي تدمر كل إحساس جميل لديها في بداية الحياة الزوجية ويشوهها. إن هذا الوضع يفرض على المعنيين بموضوع الإسكان جميعاً العمل على تطوير مساكن تلبي حاجة الشباب من الناحية الوظيفية، وأن تكون تكلفتها متوافقة مع متوسط إمكاناتهم المالية؛ لتمكينهم من بناء الأسرة دون الوقوع في الضائقات المالية. إن صعوبة الحصول على المسكن الملائم وامتلاكه ستنتج أسراً مأزومة نفسياً واجتماعياً، بمشكلات وهموم مستديمة ترهقهم في مختلف جوانب حياتهم الاجتماعية والزوجية والوظيفية، وتوقعهم في دائرة من المشكلات والهموم التي لا تنتهي. فهل يعمل حديث الزواج على توفير المسكن الملائم بتكلفة تفوق إمكاناته المالية، ويعجز بعد ذلك عن تحقيق متطلبات الحياة الأساسية الأخرى لأسرته، من غذاء، وكساء، وعلاج!
لنتذكر دائماً أن توفير المسكن الملائم يعد أحد أهم عوامل الأمان في حياة الأسرة، ومن أهم أسباب رفاهها وصحتها النفسية والاجتماعية.
أستاذ العمارة والإسكان