حينما يتم العبث بأخلاقيات المهن
تدور خلال هذه الأيام ومنذ حوالي الشهر تقريباً رحى صراعات إعلامية وقانونية في بريطانيا وأمريكا تزداد حدتها يوماً بعد الآخر بسبب فضيحة إعلامية تسببت فيها مطبوعة بريطانية تابعة لشركة "نيوز كورب"، التي تصدر عدداً من المطبوعات المشهورة منها الصن وغيرها حيث كان سببها تنصتا واختراقا لمكالمات هاتفية. وقد انتشرت هذه الفضيحة وألقت بظلالها ليس على المطبوعة الرئيسة التي كانت مصدر هذه القضية بل طالت كل الأعمال الإعلامية التي تدخل في إطار محيط رجل الأعمال والإعلام المشهور "روبرت مردخاي" صاحب الـ 80 عاماً، حيث يمتلك الشركة المصدر مما أدى به إلى إقالة أو استقالة عدد من رموز مطبوعاته وتخفيفاً لوطأة الانعكاسات القانونية والأخلاقية قدم مردخاي اعتذاراً مطبوعاً على صفحات غالبية صحفٍ بريطانية. وعلى صعيد الأعمال سحب عرضاً سابقاً لشراء قناة "بي سكاي بي" البريطانية بمبلغ 13.4 بليون دولار، حيث يرى المراقبون أن جملة ما يعني ذلك هي تضاؤل وانحسار للتأثير في المسرح السياسي البريطاني، خصوصاً أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً جداً في الدول المتقدمة بالذات كبريطانيا وأمريكا. وقد تفرعت انعكاسات هذه القضية حتى امتدت لتكون قضية يقوم فيها مكتب "التحقيقات الفيدرالي في أمريكا" وكذلك الـ "اسكوتلاند يارد" في لندن خصوصاً في جانب الرشا وما إلى ذلك من داخل هذه الأجهزة أو من يدور في فلكها. وفي كل الأحوال ولتجنب أن يكون الموضوع سرداً لحيثيات هذه الفضيحة أو من المخطئ وما إلى ذلك من الأطراف المتورطة إذ إنه ليس هذا مقام هذه الزاوية بل إن الذي يعنينا هنا في تقديرنا أن المحور لكل هذه القضية هو العبث بأخلاقيات المهنة في الأصل. وكلما كان هناك ضبط لأي مهنة في تعريف لسلوكياتها وآدابها كانت النتيجة هي الفاعلية والكفاءة في أدائها. وهذا أيضا ما زاد من تقدير أكثر في أوساط المال والأعمال بالذات إلى تقييس (إعطاء مقاييس ومعايير) لتلك الضوابط بشكل يؤهلها لأن تكون واضحة المعالم لكل عمل يقوم به العاملون في هذه الصناعة أو المنشأة وهو ما يسمى بالحوكمة للشركات أو لائحة سلوكيات وآداب المهنة إذا كان الأمر مختصاً بصناعة كاملة. ويبقى السؤال الأهم وهو التطبيق والتأكد من تفعيل هذه الضوابط والجهاز الإداري والقانوني وكفاءة عمله لكي يؤدي دوره الرقابي نحو مدى الالتزام بهذه الضوابط.
ففي الدول المتقدمة اقتصادياً تجد أن لكل مهنة ضوابط سلوكيات وأخلاق لها وكذلك للشركات لائحة حوكمة مطبقة. أما في الدول النامية فالغالب أن التطبيق هو مكمن الخلل، فاللوائح موجودة والسلوكيات موضوعة إلا أن التطبيق هو من تتدنى درجات كفاءته وهذا يؤدي بالتالي إلى تدني كفاءة الأداء للصناعة أو الشركة.
من خلال ما حدث في هذه الفضيحة الإعلامية والتأثير في كل هذه الصناعة وفي أكثر الدول تقدماً يُرى أن الجهد ليس بالقليل، إذ إن مثل هذه الدول ليست بمنأى عن مثل هذه التجاوزات ولذا ففي محيطنا المحلي من المندوب إليه أن تكون أكثر حزماً نحو خلق بيئة أعمال يُرجح على الأقل الانضباط أكثر بكل سلوكيات المهن أو آدابها.