تكييف المسجد المكي الشريف
هذه السنة سيكون الجو في رمضان - والله أعلم - استثنائيا، وذلك أن أول يوم من رمضان يوافق الأول من آب (أغسطس)، وعادة يكون أول آب (أغسطس) بداية وقت الذروة لشدة الحر في المملكة، ولئن كان رمضان سيستهلك آب (أغسطس) من أوله إلى آخره، فإن الأجواء المناخية ستكون ممتعة في مكة، وخصوصا لمن يعشق حمامات الساونا، حيث سيخرج الماء من مسامات أجسام المصلين بطريقة انسيابية، وخاصة عند التصاق المصلين في صلاة العشاء والتراويح، إذ الأجواء الحارة والاحتكاك المتكرر مع المصلين المجاورين، سيقوم بهذا الدور، وبكفاءة عالية، وحيث إن الشريحة الواسعة من المصلين لا يفضلون استخدام هذا النوع من السباحة الذاتية، أو التعرق الذاتي، لذا يتأكد على الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام أن تقوم مشكورة هذا العام بإجراءات تخفف من لهيب الحر، وتسهم في تبريد الجو وتلطيفه، ولو بإجراءات مؤقتة؛ ليؤدي المصلون عباداتهم في جو يعينهم على أدائها بخشوع وتدبر، وبكل يسر وسهولة.
لقد صدر عن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي تصريحين سارين:
أولهما: في صحيفة ''الوطن'' بتاريخ 29/7/1431هـ، وفيه بشرت الرئاسة عموم المسلمين بانتهائها من جميع الدراسات الفنية المتعلقة بمشروع تكييف المسجد الحرام بجميع أدواره وأقبيته، واعتماد أنظمة تبريد صديقة للبيئة تساعد على تخفيض الحرارة التي تنبعث من المبردات وتوفر قرابة 50 في المائة من الطاقة الكهربائية اللازمة لنظام التكييف. وأنه تم رفع الدراسات للمقام السامي لاعتمادها، والبدء في تنفيذ المشروع من خلال التعاقد مع إحدى الشركات الوطنية المتخصصة.
وثانيهما: في صحيفة ''الوطن'' بتاريخ 5/6/1432هـ، وفيه وجه الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، باستكمال الدراسة الخاصة بتركيب عينات تجريبية لتلطيف الهواء في الساحات الغربية للحرم الشريف من خلال استثمار فتحات التهوية الخاصة بنفق السوق الصغير، كما أوضح الخبر أنه تم الانتهاء من تركيب عينات من المراوح المزودة بمواسير مياه لإطلاق رذاذ من خلال مضخات خاصة للإسهام في تلطيف الأجواء الحارة خلال أوقات الصلوات، كما تم تركيب 48 مروحة، موزعة على ستة مواقع، وتم تشغيلها تدريجيا، ويعمل مع نظام المراوح توزيع الرذاذ قبل الصلوات بنصف ساعة وبعدها بنصف ساعة، وتعمل على مدار 24 ساعة أوتوماتيكيا، مع وجود توقف كل ثماني دقائق لمدة دقيقتين أثناء وضع التشغيل لفترة طويلة، كما ستقيم الرئاسة التجربة، وتعمل على تطويرها وتعميمها في مواقع أخرى من الساحات؛ لتخفيف تأثير الحرارة على المصلين.
وهذان الخبران يؤكدان بوضوح اهتمام الرئاسة بمعالجة هذه القضية، إلا أن إجراءات المعالجة ستأخذ وقتا طويلاً، قد تمتد لسنوات، أعني مشروع التكييف الشامل لكل أدوار المسجد الحرام، وأما المشروع الثاني الذي تم تشغيله تدريجيا فهو خاص بالساحات الغربية، ثم ستعمم التجربة على الساحات الأخرى، وبالتالي فمعاناة المصلين من الحر في المصابيح، وفي الدورين الأول والثاني والسطح ستظل قائمة.
ومن هنا فإني أقترح على الرئاسة أن توفر تبريداً مؤقتا، بأي وسيلة ممكنة، فالحر لا يطاق في الأوضاع الطبيعية، فكيف في وضع ازدحام الناس، واصطفاف المصلين بعضهم إلى بعض، فالتقنية الحديثة اليوم يمكن الاستفادة منها في هذا المجال، وقد أوجدت حلولاً كثيرة لأمور أكثر تعقيداً من وضع التكييف المؤقت، ولا ينبغي الاقتصار على الحلول التقليدية مع إمكان تقديم حلول استثنائية، وهذا يتطلب الاستعانة بمستشارين متخصصين في طول العالم وعرضه، ولو تطلب الأمر عرض مكافآت مجزية لمن يقدم براءة اختراع، أو على الأقل تعميم تجربة الساحات الغربية على المصلين في السطح وفي الأماكن الأخرى الممكنة، والرئاسة العامة لشؤون الحرمين لديها قطعا اهتمام بقضية ضرورية كهذه، ومعالي شيخنا المتواضع صالح بن حصين سيتواضع قطعا لهذا المطلب الملح؛ لأنه يدرك جيداً ما ينتظر المصلين في شهر رمضان لهذه السنة، وللسنين المقبلة.