آفة التضخم تطل مرة أخرى

بحسب مصادر معتبرة وبعيدة كل البعد عن المبالغة، يتوقع أن يرتفع متوسط التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي من 3 في المائة في عام 2010 إلى 4 في المائة في 2011. طبعا، الحديث هنا عن المتوسط في الدول الست، ما يعني أن بعض الاقتصادات الخليجية ستعاني ظاهرة التضخم أكثر من غيرها.
يمكن اعتبار التضخم أكبر تحد اقتصادي ممكن في أي بلد كونه ينال من القدرة الشرائية، وبالتالي الرفاهية الاقتصادية للمواطنين والمقيمين والزوار. بل هناك شبه اتفاق بين علماء الاقتصاد على أن التضخم أسوأ من البطالة كونه يضر الجميع ولو بنسب مختلفة. في المقابل، تعد البطالة مشكلة للعاطلين والأطراف المرتبطة بهم مثل البنوك على سبيل المثال.

تعددت الأسباب
تقف أسباب عديدة لعودة شبح التضخم لاقتصادات دول الخليج بما في ذلك بقاء أسعار النفط مرتفعة لفترة مطولة نسبيا، فضلا عن الضغوط على قيمة الدولار الأمريكي. يتوقع أن يبلغ متوسط سعر النفط الخام 112 دولارا للبرميل في عام 2011 مقارنة بنحو 100 دولار للبرميل في 2010 و90 دولارا للبرميل في 2009. بالعودة للوراء، بلغ سعر النفط 147 دولارا للبرميل، أي الأعلى تاريخيا في تموز (يوليو) 2008، بيد أسعار النفط تدهورت في أعقاب اندلاع الأزمة المالية التي انطلقت من الولايات المتحدة وما أعقبها من تراجع مستويات الثقة، وبالتالي النمو الاقتصادي العالمي.
ومنذ 2009 بدأ الاقتصاد العالمي بالتعافي من الأزمة المالية العالمية وذلك على خلفية توجه دول مجموعة العشرين، التي تضم كبرى الاقتصادات العالمية بتعزيز النفقات العامة. يشار إلى أن المملكة العربية السعودية هي الدولة العربية الوحيدة العضو في مجموعة العشرين التي تضم الولايات المتحدة وعددا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي واليابان والصين. عموما، لا يستبعد أن تحافظ أسعار النفط على مستوياتها المرتفعة نسبيا لفترة زمنية بالنظر للنمو الاقتصادي في مختلف الاقتصادات العالمية.
حقيقة القول، تعد مسألة ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير سلاحا ذا حدين، حيث تتسبب في زيادة تكلفة المصروفات التشغيلية للدول المستوردة. وعلى هذا الأساس تقوم بعض هذه الدول برفع قيم السلع المنتجة والمصدرة للعالم بما في ذلك المنتجات الغذائية التي تمثل حجر الزاوية بالنسبة لعودة الحديث عن التضخم.

تهديد الدولار
أما المصدر الثاني لعودة خطر التضخم فهو تدهور قيمة الدولار في الأسواق الدولية، فقد تراجع سعر الصرف الدولار بواقع 14 في المائة مقابل اليورو منذ مطلع العام الجاري. يعد موضوع الدولار حيويا نظرا لارتباط عملات دول مجلس التعاون بالعملة الأمريكية كخيار اقتصادي. وحدها الكويت بين دول مجلس التعاون التي تربط عملتها الوطنية بسلة من العملات تشمل الدولار واليورو والين الياباني. لكن يعتقد أن للدولار نصيب الأسد في سلة العملات هذه بالنظر للأهمية النسبية للعملة الأمريكية في صادرات الكويت، خصوصا النفطية منها.
وفي كل الأحوال، نرى صواب استمرار ربط العملات الخليجية بالدولار خيارا اقتصاديا كونه يوفر للمواطن والمقيم والمستثمر التداعيات المرتبطة بتغير سعر صرف العملات الخليجية مع أهم عملة صعبة في العالم. حقيقة القول، يعتبر الدولار الأمريكي العملة الصعبة الرئيسة في العالم بسبب الطلب على اقتنائه وقبوله في أنحاء العالم كافة. ولم يتغير الوضع حتى مع ازدياد شعبية عملة اليورو. المشهور أن نحو 60 في المائة من الدولارات المنتشرة في العالم موجودة خارج الولايات المتحدة.
يرتبط تراجع قيمة الدولار بقرار صريح من بنك الاحتياط الفيدرالي الاتحادي الأمريكي لجعل السلع والمنتجات الأمريكية أكثر تنافسية، وبالتالي رواجا في الخارج، الأمر الذي يساعد على تنشيط الدورة الاقتصادية في الولايات المتحدة ومن ثم الفرص الوظيفية.
غلاء المدن الخليجية
يعتقد أن ظاهرة التضخم المستورد أي من الخارج بسبب ارتفاع أسعار المنتجات الواردة شكلت نحو 30 في المائة من معضلة التضخم التي جربتها اقتصادات دول مجلس التعاون في الفترة ما بين 2007 والنصف الأول من 2008. وكان التضخم عند مستويات تاريخية وخصوصا في قطر والإمارات لحد 14 في المائة و12 في المائة على التوالي.
تفسر ظاهرة تباين الضغوط التضخمية اختلاف ترتيب المدن الرئيسة في دول مجلس التعاون الخليجي في مؤشر (مرسر) للتكلفة العالمية لعام 2011 الذي صدر أخيرا. فحسب المؤشر، تعتبر مدينة أبو ظبي الأكثر غلاء بين مدن دول مجلس التعاون تليها دبي والرياض والمنامة ومدينة الكويت والدوحة ومسقط وجدة على التوالي. ويمكن ربط الأداء الأفضل لعروس البحر الأحمر بالأمور المرتبطة بعدد الذين يقصدونها وما يتطلب ذلك من استيراد كميات كبيرة، وبالتالي الحصول على أفضل العروض الممكنة. من جملة الأمور، يعد مطار الملك عبد العزيز وبالتالي جدة بوابة الدخول لمكة المكرمة، وهي المدينة التي يقصدها ملايين الحجيج والمعتمرين سنويا. كما تستقطب جدة الملايين في شهر رمضان المبارك وهم في طريقهم لإحياء الشهر الفضيل في البلد الحرام، أعاد الله الشهر الكريم على الجميع باليمن والمسرات والخيرات الكثيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي