مسمى الفساد ودور الهيئة المنتظر
الحديث المطول الذي أدلى به محمد بن عبد الله الشريف رئيس هيئة مكافحة الفساد لقناة ''الإخبارية'' أعاد التذكير والاهتمام بها، خصوصا أن الآفة المعني بمكافحتها رائحتها تزكم الأنوف، فالفساد كلمة مقززة وقبيحة وبشعة لفعل شائن ومشين لا يأتيه إلا فاقد خوف الله وليس لديه رادع من دين، وأقل ما يوصف به أنه صاحب ضمير ميت وخال من الأحاسيس السوية، فمن يمارسه ماليا أو إداريا أو بأي صفة أخرى تكون محصلته أنه يأكل حقا عاما أو خاصا يستولي أو يستفيد من خلاله على ما ليس له فيه حق، ويخون الأمانة التي اؤتمن عليها باستغلال نفوذ أو منصب، هو في واقع الأمر يرتكب جناية وجنحة أخلاقية من الدرجة الأولى في حق نفسه وغيره، ويأكل في بطنه نارا تلظى.
ولأن هذه الصفة بهذا القبح والتقزز والبشاعة وممارسها أكثر من ذلك، ما كنت أتمنى أن تكون جزءا من مسمى الهيئة التي تشكلت بأمر ملكي من خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله - ضمن مشروعه الإصلاحي الكبير والمستمر - بإذن الله - حتى تنقى بلدنا بلد الحرمين الشريفين ومنبع الرسالة المحمدية وأرض الشهامة والكرامة العربية من كل الأدران المعيقة، وعلى رأسها وأولها الفساد، الذي يقف في وجه كل ما نصبو إليه من خير وعدالة ومساواة في الحقوق والواجبات، وحتى لا تترك الفرصة لذوى الأنفس المريضة لأخذ ما ليس لهم فيه حق، ولا يبخس فيه صاحب حق، فهناك أسماء أخرى كان يمكن الأخذ بها وهي أكثر دلالة وأقوى معنى وأنقى من هذا اللفظ الكريه من ناحية، ومن جانب آخر فان جعل لفظ ''الفساد'' مسمى لها فيه إعطاء لتصور بأن الفساد مستشر في بلادنا، وهو وإن كان كذلك، إلا أنه في واقع الأمر مستشر نوعيا وليس كميا، لكون ممارسيه هم فئة محدودة ممن فقدت أمانتها وجرت وراء دنياها الفانية التي لن يخرجوا منها بما حققوه من نهب بشيء وهم يوضعون في حفرة القبر سوى أعمالهم، فإن كان خيرا يره وإن كان شرا يره، ومع محدودية هذه الفئة وبشاعة أفعالها إلا أن مكافحتها تبقى أولوية.
يقول الأستاذ الشريف محددا دور الهيئة إنه ''تكاملي مع الجهات الرقابية الأخرى''، بمعنى أنها تقوم بمتابعة قضايا الفساد والتحقق منها والتثبت من صحتها، ثم تقوم بإحالتها إلى هيئة الرقابة والتحقيق، وبما أن دورها متكامل، خصوصا مع هيئة الرقابة والتحقيق، فأعتقد أن جعل هيئة مكافحة الفساد جزءا من هيئة الرقابة والتحقيق أجدى وأكثر فاعلية، فتوسيع مهام هيئة الرقابة والتحقيق بضم مهمة محاربة الفساد وتتبعه إليها ستكون له نتائج أفضل من ناحية الاستفادة من خبرتها وكوادرها، ومن ناحية اختصار الوقت والإجراءات، ففي هذه الحالة لا نحتاج إلا إلى إضافة هذه المهمة الجليلة لها وبنائب لرئيس الهيئة مكلف بملفات الفساد.
بإنشاء هيئة خاصة لمحاربة الفساد، فهذا يلقي عليها عبئا كبيرا وضخما، فهي في هذه الحالة مطالبة ليس بمتابعة رأس جبل الفساد الظاهر، بل عليها الخوص في أعماق الفساد لتفتت قاعدته المغمورة عن الأنظار، بمعنى أن تتخصص في ملفات الفساد من ذات العيار الثقيل والدسم، تلك التي تلتهم مئات الملايين من المال العام في غمضة عين وكأنها تقضم قطعة شيكولاتة.
لهذا، نسأل الله أن يعين هذه الهيئة ورئيسها وموظفيها، فقد ألقيت عليهم مسؤولية جسيمة، خصوصا أنها مدعومة وبقوة من ولاة الأمر، وهم محل ثقة، ويبقى أن تحظى هي أيضا بمستوى هذه الثقة نفسه، وأن نراها تفتح ملفات الفساد والإفساد على مصراعيها متأسية بمقولة رسولنا - عليه أفضل الصلاة والسلام ''وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها''.