جمع الأصدقاء بدلاً من جمع التبرعات
ولَّدت أهمية المال في عالم المنظمات الخيرية اهتماماً بالغاً بوسائل استقطابه وتنمية موارده، وترجمت كبرى المنظمات الخيرية وصغراها اهتمامها بالمال في تخصيص جزء من مواردها البشرية والمالية في تكوين وتطوير وحدات إدارية وبرامج متنوعة لجمع التبرعات. هذا الوضع قاد لدى بعض المنظمات الخيرية إلى تفشي ثقافة تجاه المال لا تختلف في طبيعتها عن ثقافة بعض الشركات التجارية التي تركز على تعظيم رأس المال وتنمية الأرباح، وأصبحت الأرقام لدى بعض القادة وجامعي التبرعات مؤشر نجاح.
الأرقام في حد ذاتها مؤشر مهم ولا شك؛ إلا أنه وحده لا يكفي ولا يعبِّر عن كل أوجه نجاح عمليات جمع التبرعات وتنمية الموارد المالية. والاهتمام بالأرقام فقط مؤشر على مادية العلاقة بين المنظمة الخيرية والمتبرع، هذه العلاقة التي من طبيعتها التركيز على جيب المتبرع ورصيده البنكي بدلاً من مراعاة حاجاته الخيرية والدوافع النبيلة التي تقف خلف رغبته بالتصدق.
إن من المهم جداً أن يستوعب القائمون على منظماتنا الخيرية وجامعو التبرعات أن لكل متبرع قمياً تقوده للتبرع وحاجات يبحث عن إشباعها من خلال تبرعاته، ونجاح المنظمة الخيرية في التعامل مع المتبرعين ينبغي ألا يتوقف عند كمية التبرعات التي تستقبلها منهم, بل على مدى تحقيق قيمهم وإشباع حاجاتهم.
لن تستطيع المنظمة الخيرية أن تصل إلى مرحلة إشباع حاجات المتبرعين وتحقيق رغباتهم الخيرية من خلال حفاوة مؤقتة بالمتبرع تنتهي بمغادرته، ما لم يكن هناك علاقة قوية ومستمرة يترجمها نظام متكامل يشعر المتبرع من خلاله أن دوافعه ورغباته محط عناية المنظمة وتقدير القائمين عليها.
المتبرع لن يكون هو الوحيد المستفيد من وجود علاقة قوية ومستمرة تربطه بالمنظمة الخيرية يُشبِع من خلالها دوافعه الخيرية، بل إن المنظمة ذاتها هي مستفيد رئيس من هذه العلاقة؛ فالمتبرع سيكون أكثر سخاءً ومداومة على التبرع وتقديم الدعم، وهذه العلاقة جديرة بأن تحوِّل المتبرع إلى نصير للمنظمة يدافع عنها وينشر أخبارها ويوصي الآخرين بدعمها والتبرع لها ليجلب متبرعين جدداً من غير عبء مالي على المنظمة الخيرية.
قد تمتلك المنظمة علاقات جيدة مع آحاد من المتبرعين إلا أن التحدي أن يكون بناء العلاقات نظاماً متكاملاً وثقافة تقود جامعي التبرعات ومسوقي البرامج والأنشطة.
إن تبني ثقافة جمع الأصدقاء سيجلب لا محالة مزيداً من التبرعات واستقراراً في الدعم؛ إلا أن ثقافة جمع التبرعات لا تعني بالضرورة أنها تقود إلى تكوين أصدقاء أوفياء للمنظمة، لا سيما عندما تزداد المنافسة، أو يقل المال بين أيدي الناس.
مختص في إدارة وتنظيم العمل الخيري، جامعة كاردف