دعوة ودعاء للمحبة والصفاء

اللهم بجلالك وعظمتك ورحمتك أن تجعل هذا الشهر الفضيل شهر خير ومغفرة لنا جميعا كبيرنا وصغيرنا، غنينا وفقيرنا. اللهم أعطنا القوة والصبر للتزود من زادك الذي لا ينضب وأعنا على القيام بالعبادات وأعمال الخير ما يخفف من ذنوبنا وخطايانا وزلاتنا وغلبة النفس والهوى.
إننا موعودون - إن شاء الله - بشهر كامل تتجلى فيه أعظم الفرص للراحة النفسية وصفاء الذهن. فمع مشاغل الحياة وتسارع مسيرتها وما تتضمنه من ضغوط لا يمكن أن تتوافر مثل هذه الفرصة التي يمنحها لنا رب العزة والجلال لإعادة الأمور إلى طبيعتها الفطرية السليمة.
لو ذهب أي منا إلى أعظم علماء النفس الحديث وشكا لهم من التوتر والقلق الذي يعانيه وصخب الحياة الضاغط على النفس لما قدم له أهم من نصيحة بأن يأخذ إجازة ويسترخي ويتمتع بالسكينة والهدوء والقراءة المتعمقة والبعد عن الضوضاء. إنها النصيحة الأولية التي يرى فيها علماء النفس الخطوة الأساسية لإعادة التوازن النفسي والبدني.
لكننا كمسلمين وهبنا الله هذه النعمة منذ بعث محمد بن عبد الله رسولا ونبيا لهذه الأمة، فنحن نحصل على هذه الفسحة النفسية الإيمانية التي لو استثمرها كل واحد منا بالشكل الصحيح لعاد إلى نفسه القلقة استقرارها ولعمل ما يرضي ربه وما ينفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون. إنها فرصة عظيمة أن نستثمر شهر رمضان كما يجب أن يكون حسن الاستثمار بالعبادة أولا من صلاة وقراءة للقرآن وصلة رحم ومساعدة فقير محروم، ثم بما يخدم ويعزز التطور والتقدم للفرد نفسه ولمجتمعه.
وإذا كان الجانب التعبدي هو الأساس الذي يجب أن نوليه اهتمامنا إلا أن خير رمضان كثير وشامل يمكن لمن يوفقه الله لذلك أن يحصل على أفضل عائد روحي ومادي.
وفي هذا السياق فإنني أدعو كل فرد من القراء الأعزاء إلى إعداد قائمة بالسلبيات التي يمارسها أو يعانيها ويضع أحد أهدافه في شهر رمضان أن يحولها إلى قائمة إيجابيات تنفعه دنيا ودين. هذه القائمة أمر شخصي وكل واحد منا أدرى وأعلم بمكونات قائمته الخاصة، والمثل يقول ''العاقل خصيم نفسه''. وحيث إن هناك سلوكيات أكثر انتشارا وأكثر عمومية فإنني أستأذنكم بالتذكير ببعض الأمور التي أرى أنها ظواهر سلبية لها وجود ملحوظ في مجتمعنا. إنني أدعو إلى استغلال شهر رمضان في صفاء النفس وحسن الظن بالآخرين وأنه ليس بالضرورة أن من يختلف معك في الأفكار عدو يجب ''سحله'' أو القضاء عليه، فالمجال متاح لنا بالاختلاف ضمن رؤية كل واحد منا. ولنثق بأن أغلبنا عندما يطرح أفكارا وآراء قد تكون صادمة للبعض فإن مبتغاه الإصلاح وجلب الخير لمجتمعه وليس المناكفة وإثارة حفيظة المخالفين. إنها دعوة لتقريب وجهات النظر ونبذ التصنيفات المؤدية إلى البغضاء والعداوة. فمن يؤمن بحرية الرأي يجب أن يطبق المقولة الشهيرة التي تقول إن الحرية هي أن تعمل وتضمن للآخرين حصولهم على حريتهم.
إن مبدأ المحبة وحسن الظن هو ما يجب أن يسود بين أبناء مجتمعنا، وهما لهما من الأهمية والأولوية ما يحتم عدم إغفالهما من كل محب للخير ينتظر شهر رمضان أملا في التزود بالخيرات والتخلص من السيئات.
وإذا كان الصفاء الذهني واللياقة الفكرية متاحة لنا في رمضان فإن اللياقة الصحية والرياضية هي الأخرى فرصة يقدمها شهر الخير. كثير منا يهمل صحته بممارسات خاطئة مثل التدخين أو زيادة الوزن وعدم ممارسة الرياضة. وهنا نقول للقارئ الكريم اشطب هذه الأمور من قائمتك السلبية التي طالبناك بإعدادها وحولها إلى أمور إيجابية بالتخلي عن أكثر آفات العصر تدميرا ألا وهو التدخين. كذلك كل واحد منا مدعو إلى إعداد برنامج رياضي يناسبه أقله ساعة مشي بعد صلاة التراويح أو بعد صلاة الفجر ففيها خير كثير سيجد من يقوم بها نتائج إيجابية تظهر له في آخر الشهر ـ إن شاء الله.
من السلبيات التي أرى ضررها مبالغة البعض في قضاء كل وقته فيما يسمى الاستراحات التي تلتهم الساعات يوميا على حساب العائلة والأبناء. إن العائلة هي نواة المجتمع ومتى ما صلحت صلح المجتمع. وبذا فلا أحد معذور من عدم إعطاء هذه العائلة حقها من الوقت والترفيه والمشاركة. ومع إيماني الشخصي بأنها - أي الاستراحات - غير مفيدة إلا أن اتخاذ القرار في ذلك أمر خاص، لكننا ندعو على أقل تقدير إلى توزيع الوقت بينها وبين العائلة، فالعمر يمر والزمن لا يعود ''وإذا فات الفوت ما ينفع الصوت''.
وأخيرا دعوة محبة لكل من يعمل في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص لأن يستثمر شهر رمضان لإنجاز أعمال ومصالح الآخرين، فهذا فضل كبير قد يغفل عنه البعض. فالأجر ليس فقط في العبادات، لكنه كذلك في التعاملات. يجب أن نجعل شهر رمضان شهر ابتسامة وتسامح وإنتاج وبذا نحقق أهم مقاصد ديننا الحنيف بأنه صالح لكل زمان ومكان وأن ''الدين المعاملة''. وشهر مبارك على الجميع.

ماذا لو؟
ماذا لو استثمر أغنياؤنا هذا الشهر الكريم وقاموا بتوجيه زكواتهم وتبرعاتهم الخيرية إلى أعمال تنموية تفيد الجميع مثل بناء المستوصفات والمدارس ومراكز الأحياء ومراكز للشباب وما شابه ذلك من أمور أثرها دائم ومستمر؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي