الاستراتيجيات ومسؤولية الإعداد

الاستراتيجيات التنموية سواء كانت قطاعية أو مكانية فإنها تعتبر رؤى تنموية لفترات زمنية تتجاوز في حدها الأدنى السنوات العشر وتعمل بشكل خاص عندما تتطلب التنمية نشرها بشكل متوازن ومستدام، وتبرز الحاجة لها عندما يكون الاقتصاد الوطني اقتصادا موجها وذا مصدر تمويل واحد، بمعنى أن مصدر التمويل يكون في الغالب الحكومة وتكون في الوقت نفسه هي الموجهة للتنمية على الحيز المكاني.
إعداد الاستراتيجيات يفهم خطأ أنه مسؤولية الجهة المعنية بالقطاع، وأقصد هنا بالقطاع مثلا القطاع الصناعي أو الزراعي أو قطاع الإسكان أو الطاقة أو غيره من القطاعات الموجهة للتنمية والمنفذة لأهدافها، أو تكون استراتيجيات مكانية سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي، ويقصد هنا بالمكانية الاستراتيجية المرتبطة بالتنمية العمرانية والتخطيط العمراني Physical Planning، وما أثار هذا الموضوع في ذهني هو النقاش الدائر اليوم عن الجهة المعنية بإعداد استراتيجية الإسكان في المملكة ومن خلال متابعة الحوارات المباشرة وغير المباشرة، الرسمية وغير الرسمية فإن الأغلبية من طارحي الموضوع للنقاش يذهبون إلى أن وزارة الإسكان هي الجهة المسؤولة عن إعداد استراتيجية الإسكان.
إن الخطأ هو تحميل وزارة الإسكان إعداد استراتيجية للإسكان لأن الأساس هو أن وزارة الإسكان هي المنفذة لبعض أجزاء الاستراتيجية، والاستراتيجية تشمل قطاعات وأجهزة أخرى غير وزارة الإسكان مثل الجهات أو القطاعات المعنية بالبنية التحتية والطرق والنقل والتعليم والصحة والأمن وغيرها كثير، ودور وزارة الإسكان هو فيما يتعلق بالإشراف والشراكة مع الجهات المنفذة لمشاريع الإسكان.
إن الجهة المعنية بوضع الاستراتيجيات الوطنية ومتابعة تنفيذها بما في ذلك إيجاد مصادر التمويل المختلفة في السعودية مثلا هي وزارة الاقتصاد والتخطيط؛ لأن مسؤوليتها وفقا لنظام إنشائها وما تبعه من إضافات ومسؤوليات هي الجهة المعنية بوضع جميع الاستراتيجيات المعنية بالتنمية لمختلف القطاعات والصناعات، ودور الجهة أو الجهات المعنية بالتنفيذ أو الإشراف عليه هو العمل ضمن فريق الوزارة المعني بإعداد الاستراتيجية ثم تقع على عاتق وزارة الاقتصاد والتخطيط مسؤوليتان أخيرتان هما ترجمة الاستراتيجيات وأهدافها إلى خطط خمسية لتنفيذها ثم المسؤولية الأخرى العمل على توفير التمويل المطلوب لتنفيذ الاستراتيجيات وخططها الخمسية.
إن قيام وزارة الاقتصاد والتخطيط بإعداد الاستراتيجيات التنموية المختلفة للدولة، إضافة إلى أنه جزء أساسي من مسؤوليتها فإن يضمن ترجمتها فعليا إلى خطط خمسية قابلة للتنفيذ وقياس نسبة التنفيذ وتقديم الأداء وتطوير الخطط الخمسية بناء على ذلك، إضافة إلى مسؤوليتها عن دراسة بدائل تمويل تنفيذ مشروعات الخطط الخمسية.
إن وضع مسؤولية توفير بدائل تمويل مشروعات للخطط الخمسية على وزارة الاقتصاد والتخطيط هو الإجراء السليم لضمان تنفيذ تلك المشروعات، وألا تتحول الخطط الخمسية إلى فكر وخطط على ورق، ويكون دور وزارة المالية هو دور الخازن للمال العام ويتم الصرف على المشروعات وفقا لمتطلبات الخطة الخمسية، وألا يرتبط تنفيذ الخطط الخمسية بما هو متوافر من سيولة في وزارة المالية، ولعل الحقبة الماضية التي انخفضت فيها أسعار النفط وتعطل تنفيذ العديد من المشروعات بسبب ارتباط الخطط الخمسية ومشروعاتها بما توفره وزارة المالية من سيولة أغلبها عن طريق ما يتم توفيره من مبالغ بيع النفط، ولهذا فإن قيام وزارة الاقتصاد والتخطيط بالتعاون والتنسيق مع الجهات والوزارات ذات العلاقة بتوفير تمويل مشروعات الخطط الخمسية بما فيها وزارة المالية سيضمن استمرار خطط التنمية ومشروعاتها، ويحقق الهدف الذي نأمله جميعا بأن تكون الخطة هي التي تقود التنمية وليس كما هو حادث الآن بأن الميزانية هي التي تقود وتوجه التنمية.
إن الخطأ التنموي الذي عشناه ونعيشه اليوم في جعل الميزانية هي الموجهة للخطط التنموية والمسيرة لها وعدم الالتفات لبدائل لتمويل المشروعات المعتمدة في الخطط الخمسية من خلال الاستراتيجيات التنموية لمختلف القطاعات المعنية المعتمدة سوف يستمر في مختلف برامجنا التنموية، ويعطلها ويجعل الفائدة منها محدودة أو معدومة لعدم اكتمالها وفقا لما خطط له.
إن المطلوب لضمان تحقيق تنمية حقيقية مركزة وموجهة بما يخدم المتطلبات المستقبلية هو قيام وزارة الاقتصاد والتخطيط بوضع الاستراتيجيات التنموية لمختلف القطاعات الاقتصادية والتنموية والخدمية وترجمتها إلى مشروعات وفقا لخطط خمسية يتم تنفيذها من خلال برنامج سنوي يتم اعتماد ميزانية وفقا للخطة وليس وفقا لما هو متوافر من سيولة في وزارة المالية، وتكون مسؤولية وزارة الاقتصاد والتخطيط توفير بدائل تمويل الخطة الخمسية.
كما أن دور الوزارات والهيئات والقطاعات الحكومية وغيرها هو الإشراف على تنفيذ مشروعاتها وفقا للخطة الخمسية المعتمدة والمبنية على الرؤية الاستراتيجية الوطنية بدلا مما يحدث اليوم من تداخل وازدواجية في الأعمال، وهو غير مبرر للمال العام وما يصاحبه من تعطل للمشروعات لأسباب غير مبررة أبدا بسبب سوء التنسيق بين التمويل والتنفيذ، وللموضوع عودة لمزيد من الطرح والإيضاح، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي