هناك حل آخر
تموج الحياة يوميا بعديد من الأسئلة التي تجابهنا وتثير لدينا الرغبة في الإجابة عليها بقول ''لا''، ومع أنها كلمة قصيرة وبسيطة سهلة النطق، لكنها تصبح في بعض الأحيان من أصعب الكلمات التي يمكن التفوه بها، ما يجعلنا نهدر الكثير من مواردنا الشخصية الثمينة ــــ الوقت، الطاقة، المال، العلاقات ــــ لصعوبة التلفظ بها، ويجعل الضغط النفسي يزداد بداخلنا حين نشعر بالخداع والظلم لأننا لا نجد الوقت الكافي للالتزام بمخططاتنا، لتورطنا في الموافقة باستمرار على أمور أخرى وفشلنا في رفضها، خوفا من أن نبدو بشكل أناني في نظر الآخرين.
لذلك تبرز بشدة أهمية التدرب على قول ''لا'' بذكاء، خاصة في الوقت الذي أصبحت فيه الحياة تخضع لهذه السرعة المحمومة، وأصبح الانشغال شعار الأغلبية، ففي حين كنت تسأل أحدهم في الماضي: كيف حالك؟ كانت الإجابة المعتادة: بخير الحمد لله، وأنت؟''، أما اليوم فإن إجابة الأغلبية لنفس السؤال: ''والله مشغول''، لأن شعار ثقافتنا الشعور بالضغط وتزاحم المهمات، وسيشهد العصر القادم قضاءنا مزيدا من ساعات العمل وقليلا من الراحة، وبحثنا باستماتة عن أي فسحة من الوقت، ما جعل عديدا من الكتب والمجلات تحاول أن تلجأ إلى تقديم معلوماتها في كبسولات سريعة على شاكلة ''30 فكرة للقضاء على ضغط العمل''، ''كيف تشدي قوامك في 10 دقائق''، ''وجبات سريعة في 5 دقائق''، وذلك لمساعدتنا في توفير مزيد من مساحة الوقت.
ولكن هناك طريقة أخرى لمواكبة تلك الضغوط والواجبات، فبدلا من الإسراع بحياتنا وحشوها أكثر فبإمكاننا الإقلال من تلك السرعة والقضاء على الفوضى والضوضاء بتطوير مهاراتنا في قول ''لا'' بدبلوماسية، ووضع حدود معينة مع هؤلاء الذين يتخطون حدودهم، لأنك عندما توافق على أن يرتبط وقتك بمشروع ما لا يهمك حقيقة أو حضور دعوة ما غير مرغوب فيها فإنك تترك لنفسك وقتا أقل للعب مع أطفالك أو التحاور مع زوجتك أو التدرب على تطوير مهارة ما أو تعلم هواية جديدة أو التطوع في مجال خيري.
كلما انتعشت بداخلك صورة واضحة للهدف الذي تود إنجازه سهل عليك أن تقول ''لا''، في الأمور التي تنحيه عن طريقك، والمحترفون في إدارة وقتهم يتمسكون بأساليب ذكية تساعدهم في التخلص من العروض غير المرغوبة، حيث يلجأ بعضهم إلى عادة شراء الوقت قبل الاستجابة لأي مطالب، وهذا يزيل الضغط عندما لا تستطيع أن تتلفظ بكلمة ''لا''، وتستبدلها بطريقة دبلوماسية أو يمنحك مزيدا من الوقت للتفكير بالأمر، ويمكنك حينها الاختيار من مجموعة إجابات شراء الوقت كأن تقول مثلا: علي مراجعة جدول أعمالي، دعني أتباحث مع زوجتي لو كانت لدينا اليوم فرصة، أحتاج أن أعرف من سكرتيري مخطط اليوم، أما البعض الآخر فيقوم باستخدام كلمة ''لا'' مقرونة بجملة ''عندي مبدأ''، فإذا طلب منه أحد الأصدقاء مرافقته للعشاء يوم الخميس مساء يقول: آسف لا أستطيع المجيء، فعندي مبدأ قديم وثابت بضرورة تناولنا للعشاء مجتمعين في أيام العطلات، ما يعطي انطباعا بأنك قد فكرت في الموضوع من قبل واتخذت قرارا بشأنه، ويرسل رسالة بأن الأمر غير شخصي، بينما يعمد أناس آخرون إلى أسلوب الامتناع الذي يستند لمقولة ''لا تكن في المكان الخطأ في الوقت الخطأ''، فإن كنت لا تود أن تضرب فلا تقف بجسدك في وجه الضربة، وإذا أردت التمتع بمزيد من الوقت لأهدافك فلا بد من حماية وقتك من المشتتات، فلنفترض أنك شعرت بالحاجة لبعض الوقت من الراحة للتخلص من ضغوط العمل، وقررت أخذ إجازة لمدة يوم واحد للاسترخاء في المنزل، وترغب في أن يكون هذا اليوم ملكك، فإن من خطط الامتناع عدم إخبار الأصدقاء بذلك، وتشغيل آلة الرد على المكالمات، أو الاحتماء في مكان ما بعيدا عن أي احتمال تشويش، وإلا فلن يتحقق الهدف المطلوب.
إنها أفكار صغيرة قد تحدث اختلافا كبيرا في وقتك، ودوما يصبح قول ''لا'' أكثر سهولة عندما تعلم ما الذي عليك أن تقول له نعم.