الشباب يصرخون
يحل علينا قريبًا ـــ إن شاء الله ـــ عيد الفطر المبارك أعاده الله على الجميع بالخير والبركات. والعيد يقدم فرصة للجميع للفرح والسعادة والانطلاق لإشباع النفس والترويح عنها فيما أحَلَّ الله من مباهج الحياة المختلفة. هو وقت فرح وسعادة للكبير والصغير يجب أن تعلو فيه الابتسامة والتعاضد، وإعطاؤه ما يستحقه كعيد للمسلمين خصهم به الله جل جلاله.
وحيث إن الفرح بالعيد هو حق للجميع لا تكتمل فيه الفرحة في حال وجود من تمنعه الظروف من ذلك، فإنني أطرح لكم في هذا المقال معاناة شبابنا الذين ستغلق في وجوههم المدن الترفيهية والأسواق جريًا على عادة استنناها هنا في المملكة دون حكم شرعي أو وعي عقلي لخطورتها. إنها فرصة لأن نعيد لشبابنا جزءًا من حقوقهم بدءًا من هذا العيد.
كلنا يعلم أن جيل الشباب يكون الغالبية العظمى من التركيبة السكانية في المملكة، فنسبتهم تزيد على 60 في المائة من عدد السكان السعوديين والبالغ نحو 20 مليون نسمة. إذًا نحن نتكلم عن نسبة كبيرة هي في الحقيقة الوطن والمواطنين. إن أي كلام عن تنمية أو قضايا أو مشاكل أو حلول لا يتعامل مع هذا الواقع الذي لا تكذبه الأرقام هو جهد خاطئ وقفز فوق الواقع. إن إهمال أو عدم سماع صوت نحو 60 في المائة من السكان ضرب من الخلل وسوء الإدارة. وعندما نتطرق للشباب ومطالبهم وحقوقهم فإن ذلك ينطلق من دافع وطني وتصور عملي للتعامل مع الواقع بكل شفافية وصدق.
وشباب المملكة العربية السعودية يحتاج إلى وقفة صادقة من المسؤولين لإنصافهم في أمور كثيرة ظلمهم فيها الواقع الاجتماعي المُشَوَّه، والنظام البيروقراطي الذي لم يتسع لمطالبهم، ولم يلتمس معاناتهم، وكذلك بعض أصحاب المصالح الضيقة.
لقد أصبح الشاب ـــ وبكل شفافية وصدق ـــ في دوامة معاناة منذ استيقاظه حتى منامه. يخرج من معاناة ليدخل أخرى. وأصبح حاله ''كمعايد القريتين''، فلا هو طفل يبقى في منزله وتحت رعاية والديه، ولا هو رجل ينطلق في الحياة ويتمتع بمباهجها وخيراتها.
ولتتخيل أيها القارئ العزيز معي على سبيل المثال رحلة الشاب السعودي في يوم عطلة مدرسية، حيث يبدأ يومه بمحاولات خجولة وقهر مكبوت للحصول على مصروف من والديه؛ لأن أنظمتنا ومؤسساتنا لم توفر له فرصة عمل صيفي مثل كل دول العالم الحريصة على أبنائها. وعندما يتيسر له الحصول على أي مبلغ فإنه ينطلق إلى أحد أسواقنا التجارية الكبرى أو ما يعرف بـ''المولات'' وذلك لما تتمتع به من مطاعم ومقاهٍٍٍ متعددة وجو مفتوح يتيح له الشعور بإنسانيته. وفي الطريق قد يتعرض للإيقاف وتفتيش سيارته وملابسه، وكل ذلك لأنه شاب ترى كثير من أجهزتنا أنه موقع شُبَهٍ، وأنه مُدَانٌ حتى تثبت براءته. وبعد توفيق الله وتجاوزه للتفتيش وبراءته والسماح له بالتحرك يتنفس الصعداء ويطلق العنان لسيارته إلى المول.
وعند أبواب هذا السوق تبدأ دوامة أخرى من الإذلال والمهانة من الحراس الأمنيين الذين لديهم تعليمات من الإدارة لكيفية التعامل مع الشباب.. فإذا كانت الفترة صباحية فإن السماح بالدخول وارد متى ما كان مزاج الحارس جيدًا. أما الفترة المسائية فإن كل المحاولات ستفشل ليعود أدراجه إلى سيارته بحثًا عن مكان آخر يؤويه بعض الساعات، فيتجه إلى مول آخر ولكنه يُوَاجَهُ بالحقيقة المرة نفسها، وهي أنه غير مرغوب فيه ولن يُسمح له بالدخول.. ومما يزيد من قهر هذا الشاب السعودي وهو واقف عند هذه الأسواق ما يراه من جنسيات عالمية تدخل وتخرج وكأن هذا المبنى هو مبنى الأمم المتحدة وليس سوقًا تجاريًا في المملكة.
وبسبب إقفال الأبواب أمامه فإنه يهيم في الشوارع يتقطع غضبًا وحنقًا ولكن ليس في اليد حيلة. ومع أنه يصل إلى حال من يقول ''رضينا بالهم والهم ما رضى فينا''، وذلك عندما يتوجه إلى أحد الأندية الرياضية لمتابعة تمرين فريقه الرياضي الذي يشجعه فإنه يقابل قدره مرة أخرى، المتمثل في حراس الأمن الذين يقفون شامخين أمام الأبواب لمنعه من الدخول؛ لأن الإدارة رأت ذلك حرصًا على الأسرار التي يتم الإعداد لها داخل تمارين النادي. وهنا المأساة الأخرى، فالنادي هو ملكية عامة، وهي منشأة للشباب ومن ثم يصعب عليه فهم منعهم من دخولها وجعلها حكرًا على ما يسمى إدارة النادي وما يلحق بها من لاعبين ومطبلين. وهذا الحال ينطبق كذلك على المدن الترفيهية، فهي الأخرى لا ترغب في وجود الشباب مثل أخواتها ''المولات''.
وبعد هذه المعاناة التي بدأت مع الشاب منذ الصباح حتى المساء يقرر العودة إلى المنزل مدحورًا مهزومًا، ويرفع يديه بالشكوى إلى الله؛ لأنه شاب طورنا نحن كمجتمع سلوكياتنا وممارساتنا على محاصرته وتهميشه وعدم الاهتمام باحتياجاته.
أما الشابة فإن معاناتها أضعاف أضعاف معاناة أخيها الشاب، أقلها إقناع أحد لتوصيلها بالسيارة، ولكنها تعودت الصبر وانتظار الفرج.
وتماشيًا مع مساحة المقال المتاحة وتقليلاً من الآلام وأحزان من قد يتأثرون من معاناة شباب الوطن وقد يرتفع لديهم الضغط والسكري نقف عند هذا الحد ونقول أنصفوا شبابنا وأعطوهم حقوقهم وعاملوهم معاملة أمثالهم من جنسيات الكرة الأرضية. إن شبابنا يصرخون لإنقاذهم من البقاء في الشوارع أو إجبارهم على الاستراحات (وآه ثم آه من الاستراحات) ومنعهم من بعض الأماكن العامة والتعامل المريب معهم. فهل نسمع لهم؟
لقد كتب الكثيرون منذ سنوات عن موضوع تهميش الشباب وخطورة تركهم فريسة للشوارع والاستراحات، وأن ذلك يوفر بيئة مناسبة لأصحاب النفوس المريضة لغزو عقولهم فكريًا وماديًا. وتناول المختصون الآثار السلبية لما يجري، ولكننا لم نرَ انفراجًا في الأمر، وبقي الحال على ما هو عليه، ولهذا فإنه لم يبق لدى الشباب بعد الله إلا أبو الجميع خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي عودنا دائمًا تلمس معاناة أبناء شعبه حتى لو كانوا أفرادًا، وحسمه الأمور عندما يرى أنها تسير في طريق غير صحيح، أو أن البيروقراطية تقف حجر عثرة في وجه الإصلاح.
ماذا لو؟
ماذا لو قامت وزارة التربية والتعليم بفتح الملاعب الرياضية في المدارس في أثناء العطل الصيفية والفترات المسائية في أثناء الدراسة؟ وماذا لو قامت الرئاسة العامة لرعاية الشباب بإنشاء أندية شبابية في الأحياء؟