ماذا قال لي؟

قابلني فعرفني وقال لي: - بعد أن سلم علي- أنت متخصص في الإسكان، وتكتب مقالات في "الاقتصادية" عن التطوير العمراني وتحسين الأحياء السكنية، فلماذا لا تكتب عن ورشة العمل والبناء المستمرة في أحيائنا لسنوات وسنوات بلا انقطاع؟ وكأنه لا يجوز أن تنتهي وأن نرتاح أبد الآبدين، فمسلسل تنغيص حياة سكان الحي بأعمال التنفيذ لا نهاية له، فما إن ينتهي تنفيذ فيلا حتى يبدأ تنفيذ فيلا أخرى، وسكان الحي في عذاب متواصل - من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس – بسبب الضوضاء الناتجة عن أعمال البناء والضجيج الصادر من آلاته، كما أن مساكنهم وأفنيتها بل حتى صدورهم ورئاتهم في آلام وأوجاع متواصلة من الغبار المتطاير ليلاً ونهاراً.
أو لماذا لا تكتب عن الحفريات التي لا تفارق شوارع أحيائنا؟ وكأنه قد كتب عليها أن تعيش في جراحاتها أبد الدهر، فلا يكاد يندمل جرح – آسف أقصد "حفرية" - حتى يعاد فتحها مرة أخرى، ويعيش السكان في معاناة وصداع مستمر مع مثاقب النقب ومجنزرات الحفر ومعدات النبش وآليات الردم الثقيلة. وتتعثر سياراتهم أيضاً في أخاديد تلك الحفريات وخنادقها إن لم تتعثر بالمطبات الصناعية.
أو لماذا لا تكتب عن مخلفات البناء؟ التي كومت أهراماً من القبح المؤذي لكل ناظر وكأنها القذى في عيون سكان الحي وزواره، فلا تكاد تخلو أرض لم تعمَّر بعد في الكثير من أحيائنا السكنية من أكوام المخلفات التي تحتضن في جوفها مستوطنات من أنواع القوارض والهوام والدواب التي تزور بيوت السكان ليلاً، حاملة معها إما سمَّها الزعاف، أو أنواعاً من الجراثيم المعدية وربما المميتة.
أو لماذا لا تكتب عن العشوائية في توزيع حاويات جمع النفايات، ورداءة جودتها، ونقص عددها، أو عن القطط السمان التي ترتع في الأوساخ والنفايات المتعفنة فيها ومن حولها، أو عن رائحتها التي تزكم الأنوف وتسبب الغثيان.
أو لماذا لا تكتب عن انعدام الأرصفة المنسقة التي تخدم المشاة؟ وإذا ما وُجدت فهي بلا نظام هندسي يجمعها، ولا شكل فني يوحدها، ولا تكامل وظيفي يحقق الغرض منها لأنها موفرة من قبل ملاك المساكن كل بحسب ذوقه واجتهاده.
أو لماذا لا تكتب عن طفح البيارات الذي يغرق العديد من الشوارع، أو عن غرق بعض الأحياء السكنية بعد أي زخة مطر؟
أو لماذا لا تكتب عن الشوارع التجارية التي تحاصر أحياءنا السكنية بسلسلة متتابعة لا تنتهي من التموينات، والمغاسل، والحلاقين، والفوالين، ومخابز التميس، والمثلوثة، وكل شيء بريالين؟
ثم سلم علي مودعاً، وتركني وهو يؤكد عليّ أن أكتب عن تلك المواضيع. وها أنا أكتب عما قاله هو لا ما قلته أنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي