السلام في ليلة السلام

ليلة القدر هذه الليلة الشريفة المباركة وصفها الله تبارك وتعالى بأنها (سلام هي حتى مطلع الفجر) وقد قيل في معنى ذلك أنها: خير كلها، ليس فيها شر إلى مطلع الفجر، وهذا السلام في هذه الليلة يتفضل الله عز وجل به في كل عام فنستشعره بأرواحنا قبل أجسادنا ويتناغم الكون معه، كما ورد في الآثار: أن ليلة القدر ليلة سمحة صافية بلجة، كأن فيها قمراً ساطعاً، ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر، لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها، وهذه الآثار وإن كان في روايتها ضعف إلا أن معانيها تدور حول السلام الذي امتن الله عز وجل به على عباده في هذه الليلة، وإن الناظر في هذه الشريعة يشهد لفظ السلام، ومعانيه في القرآن والسنة شهادةً آسرةً لِقلبه، ويكفي أن الله عز وجل سمى نفسه (السلام) وشرع للمصلي بعيد صلاته أن يقول الدعاء المشهور (اللهم أنت السلام ومنك السلام) يعني منك السلام، والخير والعافية، وقد سمى الله عز وجل جنته (دار السلام) قال جل وعلا (والله يدعو إلى دار السلام) وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الهدى والسلام "كمثل سيد بنى داراً، ثم صنع مأدبة، وأرسل داعياً، فمن أجاب الداعي، دخل الدار، وأكل من المأدبة، ورضي عنه السيد، ومن لم يجب الداعي، لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة، ولم يرض عنه السيد، والله السيد، والدار الإسلام، والمأدبة الجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم"، ولا شك أن هذه الأخبار وهذه الأمثال لم تكن عبثاً أو فضلاً من القول، وإنما هي نفحات هدى ورحمة للبشرية تشعرهم أن الله عز وجل يحب لهم أن ينعموا بالسلام، وأن أهل السلام منهم هم أهل رحمة الله عز وجل الذين يدخلهم دار السلام، ولذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم "أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" ومن اللطيف أن راوي هذا الحديث هو الصحابي الجليل عبد الله بن سلام رضي الله عنه!!
واسم الله عز وجل (السلام) يشيع السلام والأمن والطمأنينة في قلب المؤمن تجاه ربه؛ خاصة عندما يكون في خضم هذه الصراعات المحتدمة التي تشهدها المنطقة، وكذا الحال لنا جميعاً، بعد أن أصبح العالم كله كتلة واحدة يتأثر بعضه ببعض، وقد أضحت القنوات تصبحنا وتمسينا بمشاهد الأشلاء والدماء، والاعتداء وقتل الأبرياء، ونذر الحروب التي تشتعل ولا تنطفئ، فضلاً عن الانهيارات الاقتصادية المتعاقبة، والأزمات الإنسانية التي يصنعها الأغنياء ويكتوي بنارها الفقراء، فبالله كيف تهنأ الروح بالحياة في ظل هذه المآسي والرزايا لولا تشبثها بحبل السلام الممتد من الرحيم الرحمن، هذا الحبل المتين لا ينبغي لأحد أن تزعزعه عنه رغبة الانتقام، أو استفزاز الأعداء، أو قوة الاستعلاء التي قد تدفع المتمكن إلى نبذ حبل السلام، والاعتداء على من تمكن منهم من الأشقياء؛ فإن الظلم والسلام نقيضان لا يجتمعان لأحدٍ كائنا من كان، والعدل والسلام قرينان لا ينفكان أحدهما عن الآخر، وهما حق لأهل الإيمان كما قال الله عز وجل (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) وكل من أراد الفوز بدار السلام في ليلة السلام؛ فليقدم قربان ذلك برفع الظلم عن المظلومين والعفو عن المعتدين، والسلام على من هجرهم من الأقارب والمحبين، فإن الله عفو يحب العفو، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا ... اللهم اجعلنا ممن يفوز بدار السلام في ليلة السلام...

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي