الإسلام بين إرهاب أبنائه ونعومة أعدائه
تصرفات أو أحداث تكون سببا في رقي الأمم وأخرى تكون سببا في الإضرار بها وربما تخلفها وكل ما جاء ذكر أحداث الـ 11 من أيلول (سبتمبر) تعود الذاكرة إلى الأثر السلبي العظيم الذي أحدثه في إضعاف دعم الدعوة الإسلامية وأثره السلبي وتقزيمه للعمل الخيري والاجتماعي الإسلامي في مختلف دول العالم، وعلى رأسها دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
لقد كان لحادثة الـ 11 من أيلول (سبتمبر) وقع شنيع على العمل الخيري الإسلامي في مختلف دول العالم وبعد مرور عشر سنوات على الحادث يلاحظ كل مهتم بالشأن الإنساني الإسلامي ذلك الأثر السلبي في نشر الإسلام وخدمة أهله، والمراكز الإسلامية والجمعيات الخيرية التي كانت منتشرة ومزدهرة في العالم قبل الـ 11 من أيلول (سبتمبر) نعاني اليوم الإغلاق ومطاردة العاملين فيها على أساس أنهم الداعمون والممولون للإرهاب، وتشير الكثير من الدراسات والأبحاث والمقالات إلى تردي أوضاع العديد من المراكز الإسلامية والجمعيات الإسلامية الخيرية في العالم بعد ذلك الحادث الأليم.
إن المطلع بشكل مباشر أو غير مباشر على أوضاع العديد من المراكز الإسلامية في العالم، وخصوصا دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية يلاحظ ضعف العمل الإسلامي وتخلفه وفقر وحاجة تلك المراكز إلى أبسط متطلبات العمل، بل إن وضعها الإنشائي والأثاث أصبح مترديا وغير لائق بدورها الدعوي الإسلامي، وبالاطلاع المباشر على بعض المراكز يلاحظ النقص الكبير في أنشطتها ومرافقها ومتطلباتها، حتى أن بعضها أصبح يعاني نقص المتطلبات الأساسية من مصاحف وفرش والصيانة والخدمات الأخرى، وقيام أشخاص غير مؤهلين بالإشراف على العديد من تلك المراكز بشكل يؤلم كل مهتم بالعمل الإنساني الإسلامي الدعوي.
لقد استغل أعداء الدعوة الإسلامية جهل بعض أبناء المسلمين وهمجية تصرفات البعض منهم وإبرازها على أساس أن كل العمل الإسلامي عمل إرهابي ويدعم الكراهية والقتل، وفي المقابل إبراز الدعوة التبشيرية على أنها البديل العالمي الحضاري للإسلام، وجعل من التبشيرية الدعوة الناعمة المخملية وربط كل متطلبات الشعوب وحاجتها بالدعوة التبشيرية إلى الدين المسيحي، على أساس أنه الدين الداعي للتسامح والمحبة والإيثار.
لقد أدت أحداث الـ11 من أيلول (سبتمبر) إلى تحولات استراتيجية في العمل الاجتماعي المضاد للدعوة الإسلامية تجاوزت كل الأعراف والمواثيق الدولية في مختلف المجالات، وعلى رأسها العلاقات الدولية فحلّت القوة الناعمة محل القوة العسكرية وسيطرت حاجة الشعوب المعيشية والاقتصادية على دور مراكز التفكير والبحث التبشيري في الغرب وتعزيز دورها في مختلف دول العالم الغنية والفقيرة، المحتاجة وغير المحتاجة.
لقد استغلت المؤسسات التبشيرية في العالم الغربي الفراغ بعد أحداث الـ11 من سبتمبر وغياب الدور الفاعل للمؤسسات الإسلامية للتدخل في الشؤون الداخلية لدول العالم تحت العديد من الشعارات، على رأسها محاربة الفقر والجوع والتخلف والحرص على نشر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وسعت إلى تقديم مساعداتها عبر شروط مغلفة بقيم وثقافات اجتماعية ودينية غربية ومع انحسار الدعوة الإسلامية في كوسوفا والبوسنة وبعض دول إفريقيا مثل، ها هي العديد من مؤسسات المجتمع المدني والتعليمي الغربي تنشر ثقافاتها ضمن تلك الدول الإسلامية.
تشير العديد من الدراسات التقويمية والتحليلية إلى أن العديد من مراكز الدعوة والتبشيرية تتكاثر خلال السنوات العشر الماضية بشكل غير مسبوق كمنظمات إنسانية وفكرية وقفية على شكل جامعات ومستشفيات وشركات تزاول نشاطها على أساس أنها منظمات غير ربحية، وتوضح تلك الدراسات أن زيارة تلك المؤسسات تجاوز المليون مؤسسة وأن دخلها يزيد على 242 مليار دولار وأصولها الثابتة تتجاوز 421 مليار دولار، علما بأنها تشكل 74 في المائة من العدد الحقيقي للمؤسسات المسجلة، بينما المؤسسات الخيرية المسيحية العاملة يتجاوز عددها الثلاثة ملايين مؤسسة تشكل 39 في المائة من العدد الفعلي وأن التبرعات النقدية التي قدمت لها تجاوزت 1.5 تريليون دولار وتتجاوز أصولها الثابتة 2 تريليون دولار!
لقد أوضح الإخوة في مؤسسة الوقف في مكة المكرمة هذه الفجوة الدعوية خلال لقائهم السنوي لعام 1432هـ وحاجة المؤسسة وغيرها من المؤسسات الإسلامية الدعوية إلى الدعم والمؤازرة للقيام بدورهم الإنساني الإسلامي في مختلف دول العالم، وخصوصا الدول الإسلامية التي يعاني أبناؤها التغريب والتهميش والجوع والفقر.
ومع الجهود الخيرية التي تقوم بها مؤسسة الوقف وغيرها من المؤسسات والجمعيات الإسلامية البسيطة التي لم تتأثر بشكل قوي بعد الـ11 من أيلول (سبتمبر)، إلا أنها في أمس الحاجة إلى الالتفات لها ودعمها للقيام بدورها الإنساني العظيم.
وقفة تأمل:
كم من مؤمل شيء ليس يدركه
والمرء يزري به في دهره الأمل
يرجو الثراء ويرجو الخلد مجتهدا
ودون ما يرتجى الأقدار والأجل
أسأل الله أن يتقبل من الجميع صيامهم وقيامهم وصالح أعمالهم... عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.