حماس بعد قطع الدعم الإيراني.. هل ينتهي دورها الجهادي؟

في ظل التصعيد الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، الذي يسبق موعد إعلان الدولة الفلسطينية بحدود الشهر، هل تريد إسرائيل إنهاء الموعد قبل حلوله، وهل في صمت "حماس الخارج" وبحثهم عن مقر لهم غير دمشق تحول جديد في خريطة الطريق الفلسطيني نحو الدولة؟ وهل هي مقدمة للتفاوض على العودة لغزة مقابل التنازل عن إعلان الدولة من طرف واحد والتعهد بحفظ أمن إسرائيل؟

لم يخف القيادي الإسلامي الأردني مراد العضايله المحسوب على الجناح المتشدد في الحركة الإسلامية في الأردن والمعروف داخل الحركة بأنه من أكثر عناصرها الشابة تشددًا والأقرب لحماس، لم يخف سرًا حين سألته عن سلبية موقف حركة حماس وقادتها في دمشق وتحديدًا خالد مشعل من الأحداث في سورية وقصف النظام السوري لمخيم الرمل القريب من اللاذقية، فقال: ماذا يفعل مشعل بعد أن قطعت إيران الدعم عن الحركة؟!
هذا الحديث قد يدفع مجموعة من الأسئلة في ظل التصعيد الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، الذي يسبق موعد إعلان الدولة الفلسطينية بحدود الشهر، فهل تريد إسرائيل إنهاء الموعد قبل حلوله، وهل في صمت "حماس الخارج" وبحثهم عن مقر لهم غير دمشق تحول جديد في خريطة الطريق الفلسطيني نحو الدولة؟ وهل هي مقدمة للتفاوض على العودة لغزة مقابل التنازل عن إعلان الدولة من طرف واحد والتعهد بحفظ أمن إسرائيل؟ أم أن الظرف الإقليمي في ظل انشغالات نظام دمشق مع شعبه وصمت حزب الله وتراجع إيران وخوفها من انطلاق ربيع فارسي بها، إمكانية لإحداث تحول جديد في معادلة السلام الفلسطيني - الإسرائيلي.
فالنشاط العسكري الإسرائيلي ضد غزة يبدو هذه المرة يستغل الضعف في خندق المقاومة العربية، وقد تبدى الإصرار الإسرائيلي على محاربة أعداء إسرائيل وبثقة عالية بدت في مجموعة أقوال على نمط "من يعمل ضدنا فإن فرصة أن يفصل رأسه عن جسده عالية جدًا"، لإيهود باراك، أو "على السلطة مسؤولية كاملة عن الهجوم الإرهابي الإجرامي" لوزير الخارجية أفيجدور ليبرمان.
ومع أن التصعيد ارتبط بحادث الاعتداء على حافلة ركاب، إلا أن محاولة الطرف الفلسطيني عبر طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس فجر يوم السبت الماضي، عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لوقف الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة. يبدو أنه لن يفيد كثيرًا في ظل انشغال الموقف الدولي بالشرق الأوسط، وهذه المرة ليست من بوابة بيروت غزة، بل من طرابلس ودمشق وعواصم عربية قلقة أخرى.
في المقابل؛ ينصب الجهد الإسرائيلي للتجلد ومنع التصعيد من طرف حماس وذلك بإظهار جدية إسرائيل لمكافحة الخصم الحمساوي، مهما بلغت كلفة المنع والردع، وهنا فإن أبشع ما في الذاكرة الغزاوية تكرار إسرائيل لعملية الرصاص المنهمر، وهو ما لا يريده الفلسطينيون أبدًا، وعليه أظهرت إسرائيل وبذكاء أنها تستهدف مناطق توجد فيها قوات أمن منظمة لحماس وباشرتها في القصف الذي تركزت أعماله على خلايا إطلاق الصواريخ.
وبالقدر الذي تريد فيه إسرائيل إظهار شوكتها، فإن ثمة فريقًا آخر داخل الجانب الإسرائيلي لا توجد لديه أي رغبة في مواصلة القتال أو في توجيه ضربة بارزة لحماس، ربما على خلفية التخوف من التورط العسكري بالذات قبل النقاش في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في أيلول على مسألة إعلان الدولة، وهو ما يجعل البعض يرى أن المماحكات على الحدود قد تكون مبرمجة من أطراف فلسطينية تريد جر إسرائيل للمزيد من التصعيد لكسب تأييد دولي لإعلان الدولة في أيلول المقبل.
وفي مقابل هذا الرأي؛ هناك من يرى أن إسرائيل ليست في حاجة لعدو جديد في الوقت الذي تواجه فيه حكومة نتنياهو حركة احتجاج شعبي ضد سياسات الحكومة، لذلك فإن غارات سلاح الجو الإسرائيلي تميزت بأنها كانت موضعية، وبعدد محدود من الشهداء، تاركة لحكومة حماس مجالاً واضحًا للمفاوضات مع باقي المنظمات حول وقف النار.
في "حماس الداخل" يبدو الوضع مختلفًا أيضًا عن أي فترة لاحقًا تجاه أمر القتال، وهذا الاختلاف مرتبط بعدة مسارات، ومنها مسار حماس الخارج في ظل رفع الدعم الإيراني عنها، ومسار البحث عن مقر للقيادة الخارجية، ومسار تصدع جبهة المقاومة العربية المساند لحماس سواء في سورية ولبنان، ومسار آخر مرتبط بإيران التي قد تشتعل فيها نار الثورة من جديد وبقوة أكبر من غيرها في كل مشاهد الربيع العربي، وهو ما سيلقي بظلاله مباشرة على حلفاء إيران في المنطقة.
أما في "حماس الداخل" واضح أن الظرف الراهن يدفعها إلى الانقسام فيما بينها وبين عدد من الفصائل في أمر التصعيد، إذ يوجد بين المجموعات المختلفة في المنظمة خلاف حول الانضمام إلى القتال أو الامتناع عن كل تصعيد. ففي منتهى يوم السبت الماضي نشر بالفعل في موقع حماس بيان رسمي ادعى أن رجال عز الدين القسام أطلقوا أربعة صواريخ نحو مستعمرة "أوفكيم"، ولكن بعد بضع ساعات اختفى البيان، وفي المنظمة عادت لتنطلق الأصوات التي روت عن مساعي الوساطة المصرية للحد من هذا التصعيد.
وفي "حماس الداخل" أيضًا توجد أصوات ترى أنه من المحظور خسارة المعركة للمنظمات الأصغر وتركها تأخذ الحظوة عن القتال ضد إسرائيل، بينما تتخذ المنظمة المسيطرة في غزة صورة كصورة السلطة الفلسطينية من نوع جديد، فتحرص على حماية أمن إسرائيل، ومن ثَمَّ تفقد حماس صفتها الجهادية.
وقد يتعزز هذا الخوف من هاجس انتهاء صفة الطرف المقاوم والعنيد في مواجهة إسرائيل، بعدما بثت وكالة "رويترز" للأنباء مؤخرًا تقريرًا عن مصادر دبلوماسية، أفادت بأن إيران توقفت عن تحويل أموال للمنظمة منذ نحو شهرين على خلفية معارضة حماس المشاركة في إبداء التأييد للرئيس السوري، بشار الأسد.
صحيح أن هذا القرار سيكون مكلفًا، لكنه له آثاره المتعددة على مجتمع غزة الحمساوي، الذي سيجد أنه مدفوعًا لخيار الدفع بتعجيل المصالحة وإنهاء الانقسام، وبذلك يكون قد تجنب عدوانًا إسرائيليًا جديدًا واستعان بانقطاع الدعم الإيراني بعودة المخصصات المالية من السلطة في محاولة للحد من الأزمة الاقتصادية التي تلم بحكومة حماس، التي لم تدفع بعد رواتب شهر تموز لـ40 ألفًا من موظفي الحكم ورجال قوات الأمن في غزة، كما أنها تواجه صعوبة موضوعية في جباية الضرائب على نحو دائم، وهو ما يعزز الشعور بالعجز، ويدفع نحو إنجاز المصالحة ومواجهة قطع الدعم الإيراني بأقل الأضرار مع الإبقاء على صفة الحركة الجهادية.
ختامًا؛ أعتقد أن التصعيد الإسرائيلي سيستمر بالدرجة ذاتها التي ستسمح بها حماس لفصائل فلسطينية أو قوات محدودة منها باستمرار إطلاق صواريخ جديدة باتجاه إسرائيل، وفي المقابل ستظهر حماس أنها في حال مُكنت ستكون رادعًا لهذه الفصائل، وفي حال انهارت ستنتهي الهدنة الطويلة، ومن ثَمَّ ستظهر حماس عنصر استقرار لجنوب إسرائيل إذا ما ظلت بقوتها واستطاعت أن تتجاوز أزماتها، لكن في حالة الانهيار سيكون على إسرائيل أن تواجه عشرات الفصائل والمجاهدين الذين لا يمكن التفاوض معهم، ومن ثَمَّ فقدان الأمن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي