العقود الصورية

من أكثر مشكلات التعاملات التجارية لجوء بعضها إلى إخفاء حقيقة بعض التعاملات التي تمارسها الشركة أو تسجيل ملكية بعض العقارات أو الحصص أو الأسهم باسم شخص آخر غير مالكها الحقيقي؛ نظرا لوجود عائق نظامي يحول دون تسجيلها باسمه، وهذا الأمر مع أنه قد ينطوي على مخالفة نظامية، إلا أني لن أناقش هذا الجانب في هذا المقام، لكني أود الإشارة إلى بعض الآثار المترتبة على الصورية في التعاملات التجارية، فمن تلك الآثار: المسؤولية التي تتعلق بالشخص المسجلة باسمه العقود، أو الأعيان صوريا؛ إذ إنه يكون المسؤول فعليا أمام القضاء عن حقوق الغير الناشئة عن تلك العقود أو الممتلكات، ومن ذلك ما لو كان شريكا صوريا في إحدى الشركات ثم تعرضت الشركة إلى خسائر ومديونيات؛ فإن الشريك الصوري هو المطالب بالمثول أمام القضاء، وهو من تصدر في مواجهته الأحكام القضائية الناشئة عنها، وهو المطالب بتنفيذها، وهذا كله ما لم يقر الشريك الفعلي بحقيقة الأمر ويوافق الدائن على ذلك أو يعلم به قبل التعاقد.
كما أن الشريك الفعلي لا تكون له صفة في مطالبة الشركة بحصته، ولا أرباحه الناشئة عنها، ما لم تكن لديه البينة المثبتة لشراكته الفعلية في الشركة، وذلك من خلال وجود مستند يثبت أن الشريك المسجلة باسمه حصته من الشركة شراكته صورية، مع ضرورة أن يكون هذا المستند موثقا توثيقا كافيا، وهذا ما يسمى في الاصطلاح القانوني (سند الضد) والمراد به: أن يكتب من سجلت باسمه أعيان أو حصص أو أسهم، إقرارا يثبت من خلاله عدم ملكيته لهذا العقار أو الحصص أو الأسهم، ويبيّن فيه من هو مالكها الحقيقي، وما هو العوض الذي أخذه مقابل تسجيل هذا الحق باسمه.
ومن المهم أن يكتب في الإقرار سبب عدم تسجيلها باسم مالكه الحقيقي ليكون ذلك أدعى لثبوت هذا الإقرار، وكذلك لا بد من توثيق هذا الإقرار بشهادة الشهود.
ومن الأخطاء الشائعة في مثل هذه المعالجة أن تتم معالجة هذه الصورية بمستند آخر صوري كعقد مبايعة أو غيره من العقود، وهذا من معالجة الخطأ بالخطأ؛ لأن المبايعة تقتضي وجود بيع، وشراء حقيقي، واستلام، وتسليم، ومن تلك الأخطاء: النص على تسلم البائع الصوري قيمة البائع عدّا ونقدا في مجلس العقد، مع أن هذا يبعد حصوله عادة في المبالغ الكبيرة، وبدل أن يكون هذا حلا لمشكلة الصورية يصبح جزءا من المشكلة ويزيدها تعقيدا.
ولقد قررت محكمة التمييز مبدأ قضائيا يؤكد أن وجود البينة المثبتة للملكية في العقود الصورية معتبر قضاء؛ حتى إن كان ثبوت الملكية تترتب عليه مخالفة نظامية، لانفكاك الشق المدني عن الجنائي؛ وذلك بخلاف ما حكم به القاضي في تلك المنازعة، التي تمثلت في أن المدعي في القضية ادعى ملكيته لإحدى المؤسسات التجارية المسجلة باسم أحد المواطنين، مستندا على ذلك بوجود مبايعة صورية مع المدعى عليه المسجلة باسمه المؤسسة، لكن ناظر القضية قرر "إن ما ذكره المدعي في دعواه من وجود المبايعة تسترٌ منعه ولي الأمر، وإن العقد في هذه الحالة لو كان موجودا فهو غير معتبر"، لكن محكمة التمييز كان لها رأي آخر؛ إذ قررت أن "ما يقرره ولي الأمر من تعليماتٍ لا يبطل الحق، ولا يرده، وتبقى العقوبة التعزيرية على المخالفة لولي الأمر".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي