هل يفك الدولار ارتباطه بالذهب؟
ثمة أزمة اقتصادية سياسية في أمريكا، والرئيس الأمريكي أوباما يحمل الجمهوريين مسؤولية فشل الاقتصاد الأمريكي، والمتابع للاقتصاد الأمريكي يرى أن الدين القومي العام كان سببه الجمهوريون، فالرئيس الأمريكي بيل كلنتون سلم إدارته للرئيس جورج بوش وأمريكا مدينة بنسبة 60 في المائة، وسلمها الرئيس بوش للرئيس أوباما وهي مدينة بـ 79 في المائة. ولم يجد باراك أوباما بديلا من الاقتراض فزاد الدين ما نسبة 89 في المائة، وعليه فإنه لا حلول أمام أمريكا غير فرض مزيد من الضرائب في مجتمع يمتلك فيه الثروة ويسيطر عليها ما نسبته 1 في المائة من المجتمع الأمريكي، وجاء تخفيض وكالة التصنيف الائتماني ستاندارد آند بورز للحد الائتماني مقصودة لذاتها لتساهم في مضاعفة المشكلة، حيث إن الوكالة تتبع عمليا (الحزب الجمهوري) وبالتالي فإن الحرب ظاهرها اقتصادي وباطنها سياسي.
انخفاض الدولار هو في مصلحه أمريكا، ومفتعل منها بشكل كبير لكي تصبح الولايات المتحدة منطقه جذب للاستثمارات وتنشط الصادرات للعالم، لكن ثمة أسئلة تطرح لعل من بينها هل تكرر أمريكا قرارها بفك العلاقة بين الدولار والذهب مثل ما فعل الرئيس الأمريكي الأسبق (نيكسون) عندما فك ارتباط الدولار بالذهب عام 1971م، وهل أزمة الرهن العقاري الأمريكية وإفلاس بنوك أمريكية بالعشرات وطباعة مليارات الدولارات دون غطاء معدني من الذهب ستؤدي إلى اختلال نظام الصرف النقدي لجميع الدول التي تربط عملتها بالدولار.
إن طباعة المزيد من الدولارات سيؤدي إلى انخفاض قيمته، وفي السياق نفسه يؤدي إلى هروب الاستثمارات من داخل أمريكا، حيث العديد من الدول مثل روسيا والصين واليابان بدأت تشكك في استقرار الدولار، وأصبحت تعقد اجتماعات سرية لتتفق على أي بديل يحل محل الدولار أو بسلة من العملات، وما يشاع أن أمريكا والغرب تحاولان عدم الاعتماد على نفط الشرق الأوسط كذبة كبيرة، لأن نفط الشرق الأوسط أقلها كلفة وأجودها نوعية، وبالتالي فإن الاستثمار النفطي أو الطاقة البديلة سلعة غير استراتيجية، ولا يعول عليها لارتفاع أسعارها، ولهذا ستحافظ أمريكا على أسعار معقولة للبترول لضمان قوة الدولار أيضا وتحريك عمليات الشراء.
والسؤال هل ستبقى أسعار برميل النفط في الصعود ذاته؟ وهل يقرر الأمريكان خفض أسعاره؟ ماذا لو انخفضت الأسعار إلى مستوى غير متوقع 40 دولارا 50 دولارا؟ ماذا لو لم يحسم الأمريكان خلافاتهم السياسية الداخلية؟ كيف ينظر المرتبطين بالدولار إلى الأزمة الأمريكية؟ ولو رجعنا إلى مقاله الجيولوجي (كينيث ديفايس) في كتابه (ما بعد النفط) أن عهد النفط الرخيص في طور النهاية أو في طور زيادة الطلب، فقد قدم النفط الرخيص للرأسمالية ما لم تقدمه سلعة أخرى غير أن الطاقة الشمسية والرياح على أهميتهما لن تعبئهما أمريكا في دباباتها لاحتلال دول كالعراق وأفغانستان، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل نشهد صراعا على النفط الرخيص مستقبلا؟ وهذا ما يؤكده المشهد الليبي الآن.
في الصحف الأمريكية حديث عن أزمة اقتصادية قريبة في الصين وفي الصحف الأمريكية مؤشرات على تحالف صيني إسرائيلي في القضايا العالمية والتقنية، وهل له صلة بتراجع أمريكا؟ وحديث عن أن بكين تسعى أن تكون السوق الصينية هي المحدد لنسبة النمو الاقتصادي كي لا تتأثر كثيرا بالعوامل الخارجية، وهذا يعني أن ثمة صراع مبطن بين أمريكا والصين خاصة وان الاستثمارات الصينية في أمريكا تشكل 18 في المائة من الاستثمارات الخارجية، وتمتلك من السندات الأمريكية في حدود 1.2 تريليون دولار.
والسؤال الذي يطرح نفسه خليجيا ماذا عن استثماراتنا هناك, وماذا عن السندات التي تمتلكها دول الخليج والتي تقدر بنحو 800 تريليون، هل نحن أمام مشكلة مستقبلية تحتاج مزيد من الوعي والتخطيط المستقبلي الحقيقي ولا تنفع معها التضمينات التي لا تقوم ولا تستند على دراسات ومعلومات وأرقام حقيقية؟ وماذا عن الأسواق الجديدة؟
كيف تخطط دول مجلس التعاون الخليجي؟ وكيف تقرأ ما يجري في أمريكا؟ وما هي انعكاساته؟ وما الحلول الممكنة؟ سؤال يبحث عن إجابة ولا نجدها حتى في تصريحات المقربين والمسؤولين في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ولهذا نعتمد على المعلومات العالمية كونها أكثر دقة ومصداقية، وهذا يطرح أيضا سؤالا كبيرا حول شفافية المؤسسات المالية الخليجية واستثماراته الخارجية وخاصة في أمريكا، والتي هي أحد العوامل الرئيسة لقوة الدولار الأمريكي، لكن العجز الهائل في الموازنة الأمريكية بسبب الإنفاق العسكري ربما جعل المستثمرين أقل اندفاعا في إرسال أموالهم للاستثمار في أمريكا، لأن مستقبل الدولار الأمريكي بات غامضا، وأنه من المؤسف أن الاقتصاد الأمريكي والدولار يفقدان الثقة في معظم دول العالم، وبعض الخبراء يرون أن الحل يعتمد على الولايات المتحدة نفسها أولاً، ويدعونها إلى اتخاذ تدابير وإصلاحات للنظام النقدي الدولي. وينبغي أن يكون هناك نظام جيد للنقد ليجعلنا على ثقة ونطمئن على استثماراتنا. وهذا بحسب محللي السياسة الأمريكية لن يكون إلا إذا عمدت أمريكا إلى تغيير نظامها السياسي كما هو معمول به في بريطانيا.