حتى لا يزيد الاحتراق

من لديه الوقت ليكون مبدعا في عالم اليوم ذو السرعة المحمومة التي تجعلنا دائما مشغولين لدرجة إهمال التفكير في فرص جديدة أو أهداف بعيدة المدى؟
إنه السباق اليومي، فكل يوم تزيد الاحتياجات وتتراكم المسؤوليات بدرجة أعلى مما لدينا من الوقت والطاقة، مما وضعنا في حالة يومية من الاحتراق النفسي لأننا ربطنا النجاح بالسرعة المتزايدة، وإذا ظللنا نستهلك طاقتنا وعزمنا في تلك الضغوط والمشاحنات اليومية فسنتيقظ يوما لنكتشف أنه لم تعد لدينا حياة على الإطلاق.
يدعونا ذلك للتفكير في كيفية تعلم احتضان الضغوط الخارجية والتعامل معها باحترام بدلا من محاولة السيطرة بالعنف، والتدرب على كيفية إبطاء سرعتنا حتى نمعن الفكر ونكون أكثر تأملا بمنطقية وبصيرة في نفس الوقت، فهل يبدو ذلك مستحيلا؟
تضيق الحياة أو تتسع بقدر شجاعة الإنسان، وفي لحظات اتخاذ القرار يبرز الاختيار، فإما أن نكون مجرد ردود أفعال ونتبنى تلك العقلية الانفعالية التي تدفعنا لأن نتصرف بسرعة ونعمل بقيادة آلية ونؤكد على معتقداتنا المسبقة، ونهاجم بلا توقف بناء على اعتقادنا بأننا في معركة للسيطرة على القوى الخارجية التي توحي بمستقبل غامض ينذر بالخطورة، أو أن نتحرك للأمام ونستجيب للحدث بعقلية إبداعية عبر السعي بوعي لمعرفة كيفية التشبيك بين الحقائق الداخلية والخارجية والتعامل مع الفوضى والعقبات والأخطاء كمصادر طاقة للقوة الإبداعية، وتعزيز الرؤية التفاؤلية لتحويل المشكلات إلى فرص وتوليد بدائل جديدة من الأخطاء، بحيث تصبح العقبة مغامرة تعلم جريئة نظر إليها الانفعالي بطريقة خاطئة.
عندما نكون في حالة عقلية إبداعية نبحث عن طرق للتآزر والتعاون حتى لا نواصل رحلتنا في عزلة مع عالم لا تلين مطالبه، حيث تقودنا تلك العقلية إلى تكوين علاقات باعثة للنشاط والقوة مع من يتفهمون أهدافنا، وتعلمنا كيف نجذب الجديد من الآخرين المبدعين إلى مدارنا لنكتشف معهم ماذا يمكن أن يقدموا لنا وماذا يمكننا أن نقدم لهم.
من الواضح أنه لا يوجد مستقبل مع العقلية الانفعالية لأنها ردة فعل متوترة سريعة تقفز فوق الاحتمالات البديلة والفرص الجديدة بحثا عن الإجابة الأسرع، وإذا انفعلنا تلقائيا سوف نفقد تعلم قوة دروس الحياة من خير وشر ومكسب وخسارة وحظ وخيبة أمل، أما عندما نكون في العقلية الإبداعية فإننا ننقب عن القوة الكامنة في القرار ونستغلها في تشكيل النتائج التي نريدها، فهذه القوة هي التي تجعل الحياة ملهمة وتستحق أن نحياها. يمنحنا هذا الوعي بالمستودعات العميقة الداخلية ما يكفي من طاقة نحو حب الاستطلاع والحكمة والمرونة تشجعنا لأن نحيا بحرية وفاعلية في عالم متسارع الخطى وهذا هو جوهر فلسفة التوكل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي