علاقة فصل الصيف بتزايد مشاكل المرارة
ذكرنا في موضوعات سابقة أن الإنسان يتفاعل مع الكون ويتأثر به، ومن ذلك تفاعله مع فصول السنة. وقد ذكرت ارتباط كل فصل منها بعضو رئيس في الجسم؛ فالشتاء مرتبط بالرئة والربيع مرتبط بالكبد والصيف مرتبط بالمرارة والخريف مرتبط بالطحال، كما يوجد ارتباط بين الطحال والبنكرياس سأتحدث عنه في حينه، حيث قام علماء صينيون بإثبات ذلك في تجارب علمية.
ومن يراقب تغير خواص الفصول يرى عجبا؛ فالشتاء في المناطق المعتدلة مناخيا يغلب عليه البرد والرطوبة ومن ثم يتغير البرد إلى حر في الربيع مع بقاء الرطوبة، وفي فصل الصيف يستمر الحر وتتغير الرطوبة إلى جفاف، وفي فصل الخريف يستمر الجفاف وتتغير الحرارة مرة أخرى إلى برد، ثم نرجع لفصل الشتاء مرة أخرى الذي يستمر فيه البرد ويتغير فيه الجفاف إلى رطوبة ثم تبدأ دورة جديدة.
ومن يتأمل في فصل الربيع يلاحظ فيه حركة ونشاطا ونموا لشجيرات تصل أوج جمالها حينما تزهر بألونها الجميلة وأشكالها المتعددة فتضفي على النفس فرحا وسرورا، وفي نهاية هذا الفصل تبدأ الزهور بالتحول إلى ثمار وكأنما تحورت هذه الزهرة إلى ثمرة في داخلها البذرة، ولو تأملنا في جسم الإنسان لوجدنا شيئا مشابها لذلك، ففي الربيع تكون الكبد في أوج نشاطها فتزيد من إفرازاتها ويتركز جزء من إفرازاتها في المرارة وهو ما يعرف بالعصارة الصفراء التي تعتبر حارة جافة في علم الأبدان.
وبالتالي عندما يدخل الإنسان في فصل الصيف يكون هناك تركز للعصارة الصفراء في المرارة، ومن فوائدها أنها تساعد الإنسان على هضم وتفكيك الدهون، كما تساعده على محاربة الإمساك حين تقل رطوبة الجسم في الصيف بسبب التعرق. لذا في فصل الصيف نحتاج إلى التوازن في استعمال هذا المخزون من العصارة فنحتاج إلى التقليل مما يثير المرارة وينشط إفرازاتها مثل الأكلات الدهنية والحارة الجافة وخصوصا الحوامض. ومن الأمور التي تثير المرارة الجوع والعطش وكثرة السهر، حيث إن الإفراط فيما ذكر سابقا لفترة طويلة يتسبب مع الوقت في حدوث التهاب للمرارة، وإذا أهمل قد يتطور إلى ترسبات ترابية تحدث انسدادا في مجاري المرارة وإذا أهمل تبدأ حصوات المرارة في التكون.
ومن علامات التهاب المرارة حدوث نوبات ألم فجائية من المغص المراري التي تزيد في النهار مترافقة مع زيادة حرارة الجو، ويشعر المريض بألم شديد في أعلى البطن قد يستمر إلى عدة ساعات ويصاحبه ألم تحت منطقة الكتف الأيمن. وقد يصاحب هذه النوبة شعور بالغثيان والتقيؤ وتتميز هذه النوبات بأنها حادة وشديدة الألم، ومشابهة نوعا ما إلى نوبة المغص الكلوي. وعادة تظهر الأعراض بعد التعرض لمثيرات المرارة التي سأوضحها لاحقا أو بعد تناول وجبة غذائية عالية الدهون أو وجبة ثقيلة في المساء.
وقد يرافق النوبة انتفاخ للبطن، التجشؤ، الغازات، وعسر الهضم. وإذا تم إهمال الحالة مع زيادة التعرض لمثيرات المرارة يحدث رعشات وحمى واصفرار لون الجلد والعين والبول، وذلك ناتج عن انتشار الصفراء في الجسم وقد ترافقه آلام حادة في المفاصل مع تغير في لون البراز فيجب حينها مراجعة الطبيب في الحال. ومن الأمراض التي تزداد حدة مع زيادة الصفراء الصدفية، الإكزيما، آلام المفاصل، التهاب البروستات، تصلب الشرايين، عرق النسا، وقد يحدث مضاعفات لمرضى السكري. كما لوحظ أن زيادة الصفراء في الدم تسرع من حدوث الشيب المبكر للشعر.
وتكون أحيانا هذه الأمراض مصحوبة بصفرة البول وشدة العطش مع وجود مرارة الفم وكثرة السهر والشهوة الزائدة للأكل مع إمكانية حدوث صداع في مقدمة الرأس. والمتأمل يلاحظ زيادة مشكلات المرارة في الصيف مثلما تزيد مشكلات الرئة في الشتاء.
وفي هذه السنة وافق شهر رمضان الكريم فصل الصيف فاجتمع على الناس عدة عوامل زادت لدى البعض من مشكلات المرارة، وهذه العوامل هي السهر الكثير والجوع والعطش الشديدين بسبب ترك السحور المبارك والإكثار من المقليات بالزيت المهدرج والإكثار من تناول التمر الأصفر وخاصة المكنوز، وقلة شرب الماء في الليل، ويزيد الأمر سوءا بإضافة الحوامض للأكلات كالليمون والمخللات ويختم البعض بالشاي الأحمر المركز المحلى. لذا تجد كثرة شكوى مرضى المرارة أو من لديه قابلية لها بعد انتهاء ثلث الشهر، وزاد عليهم ذلك في الثلثين الأخيرين من شهر رمضان فحرمتهم هذه الآلام من لذة الصيام والعبادة.
وهذا الشرح السابق يبين أن المشكلات الصحية لا تأتي فجأة، وإنما تحدث بسبب تراكم عدة عوامل لفترة معينة تصل إلى حد تتحول عنده إلى مرض بسبب خروج البدن عن الاتزان بسبب أن الإنسان لم يراع التناغم مع هذا التغيرات في الفصول وأرجو ممن عاني من مشكلات المرارة في شهر رمضان أن يراجع ويقارن ما ذكرت من عوامل.
وللوقاية من هذه الأمراض بإذن الله أن ينتبه الإنسان لفصل السنة الذي فيه بحيث يكون غذاؤه متوافقا مع هذا الفصل، وكذلك متوافق مع نوع بدنه. وكمثال عملي حدوث المرض بسبب تراكم عدة عوامل نرى أنه في فصل الصيف تزيد مشكلات المرارة، سأقوم بسرد الجزء الأكبر من مسببات زيادة نشاط المرارة كي يقلل المرء منها قدر المستطاع في فصل الصيف أو إذا كان لا بد منها أن يوازن هذه الأكلات المهيجة للمرارة بدمج أكلات باردة رطبة تذهب شدة حرارتها وجفافها وبالتالي يذهب ضررها.
فمن مسببات زيادة نشاط المرارة قلة النوم والسهر في الليل والعطش والجوع وكذلك كثرة التعرض للضغوط النفسية. ومن ذلك الإكثار من تناول الأكلات الدهنية التي تزيد من نشاط المرارة، وكذلك الإكثار من الحوامض كالليمون وخاصة عصيره أو الخل بنوعية الصناعي والطبيعي، خاصة على جوع أو كثرة تناول الشاي الأحمر المركز والمحلى أو المشروبات الغازية الحامضة الطعم. وكذلك الإكثار المفرط من العسل أو اللحم أو الثوم أو الفلفل وكل حريف أو السمسم أو التمر (خاصة المكنوز) والدخن والقرنفل. وكذلك من بعض الأعشاب التي طعمها حامض أو التي تتميز بشدة الحرارة والجفاف كالرشاد والحبة السوداء، وهذه الأعشاب تكون مقبولة بكمية صغيرة في الصيف أو يخلط معها ما يذهب ضررها.
ومن الأسباب التي تهيج المرارة كثرة خروج الماء من الجسم؛ إما بالتعرق وإما لتناول مدرات البول، ويلاحظ أن السكر الأبيض المكرر يزيد من الإدرار لأنه يرفع سكر الدم بسرعة. ومن الناس الذين يعانون في الصيف أكثر من غيرهم مرضى السكري، حيث إنهم أكثر عرضة من غيرهم لمشكلات المرارة بسبب فقد الماء الكثير لديهم بسبب كثرة التبول.
وللحفاظ على الرطوبة في الجسم، يفضل إضافة الملح الطبيعي والأفضل البحري للسلطات كي يحبس الماء في الجسم ويعوض نقص المعادن الناتج عن التعرق. وللتقليل من هذه المسببات ينصح بالتقليل من الدسم الزائد في الأكل وترك تناول الأكلات صعبة الهضم خاصة في المساء والتقليل من الشيّ الزائد لأنه يجفف الأطعمة. كما ينصح في الصيف بتقليل السهر، والإكثار من شرب الماء ومحاربة الجوع الشديد وتناول الأكلات الباردة الرطبة، مثل: اللبن الطبيعي قبل الوجبات بفترة مع تناول سلطات يكون فيها خيار أو خس و تناول الفواكه - وينصح بها قبل الوجبات بفترة - مثل التفاح الأخضر والأناناس أو الموز أو المانجو والرمان الحلو والمشمش، أو تناول المشروبات مثل الشاي الأخضر والتمر هندي وحتى، هذه المشروبات لا ينصح بالإكثار منها في الصيف بإفراط لأنها تبرد الجسم وتقلل تعرقه بشكل كبير. ومن أراد تناول العسل فيلذيبه في الماء لأنه إذا خلط بالماء خفت شدة حرارة العسل واكتسب رطوبة فأصبح متزنا.
ومن أمثلة التوازن الغذائي في الصيف لمحبي تناول الشطة أن يتناولها مع السلطات الباردة، وكذلك من أراد إضافة الخل الطبيعي للسلطات فليكن بعد البدء بالوجبات الدسمة.
ومن الأخطاء التي تضعف الهضم في فصل الصيف تناول الآيس كريم أو العصير البارد أو الماء شديد البرودة بعد الوجبات مباشرة، مما يسبب مع الوقت ضعف الهضم والخمول وقد يتسبب في حدوث انسداد في الجسم بسبب عدم هضم الطعام بشكل كامل. كما يعتبر دخول الصفراء للدم مسبباً لما يعرف بحرارة الدم (حموضة الدم) وكي نبرد الدم وننقيه من الصفراء يتناول مشروب التمر هندي أو قمر الدين (المشمش) في الصيف، حيث يعتبران من المشروبات المبردة للدم، كما يعتبر خلط السناء مكي مع التمر هندي من الأمور المنقية للصفراء من الدم، مما يخفف من حدة الأمراض الجلدية الحارة التي تزداد حدة في الصيف كالصدفية والإكزيما بشكل سريع.
وأخير لمن يعاني من التهاب أو آلام في المرارة أو تجمعات ترابية ينصح بترك ما ذكر أعلاه من مثيرات المرارة وخاصة في فصل الصيف، وأن يكثر من شرب الماء وأن يأكل يوميا خمس حبات من التفاح الأخضر مع شرب كأس من عصير التفاح الأخضر مع جزر مع فجل أبيض يوميا (لا يضاف الفجل لهذا العصير لمن لديه قرحة معدية أو في الاثني عشر أو يوجد لديه ضعف كبير في الغدة الدرقية)، ويجب عليه أن يقلل من الدهون في أكله ويستخدم سلطة الملفوف الأبيض والبنفسجي والجزر مع شرب النعناع مع الشاي الأخضر بين الوجبات لمدة ثلاثة أسابيع.