ترانزيت

لا شك أنك لاحظت في كل مرة تنزل في أي من الفنادق العالمية مدى العناية التي يتم إيلاؤها لردهة الاستقبال في الفندق لكونها المحطة الأولى التي يبدأ منها النزيل في تكوين علاقته مع بيته المؤقت! وبالتالي فإن لهذه العناية ما يبررها، إذ من المهم جداً أن يوفق الفندق في ترك انطباع إيجابي أولي لدى النزيل عبر هذا المكان.
وبالمثل، حين تزور بلداً لأول مرة فإنك سوف تبدأ في تكوين علاقتك الأولى مع هذا البلد من خلال المطار بالطبع! وفي كل بلدٍ حضاري تتولى الحكومات بناء المطارات الدولية بشكلٍ مباشر لتتحقق من إيلائها العناية اللازمة التي تستحقها لتترك صورة حضارية شاملة ومصغرة للبلد الذي تمثله، حتى ولو كان وقوفك في ذاك المطار للعبور Transit إلى مكانٍ آخر، بل وحتى لو كنت راكباً فقيراً قادماً من دولة من دول العالم النامي للعمل في بلد من بلدان العالم المتقدم. ولا تقتصر عناية الدول على الجانب المادي للمطار وحسب، بل إن جميع مقدمي الخدمة في المطار ينبغي أن يستشعروا مسؤولية تمثيل بلدانهم وترك انطباعات إيجابية لدى المسافرين.
والسبب في الحساسية الفائقة لهذا الأمر، أن الانطباعات الأولية هي أكثر الانطباعات بقاء، بل إن تغيير هذه الانطباعات يصبح في غاية الصعوبة بل غير ممكن في كثير من الأحيان، وفرصة البلدان لترك هذا الانطباع لدى أشخاصٍ بحاجة إلى التعاطف والعناية، هي من الفرص الذهبية التي تحسن الدول المتحضرة استغلالها ولن تسمح بتفويتها تحت أي ظرف، إذ من أسهل ما يكون أن تقدم خدمة بسيطة لشخص في غاية الحاجة إليها لتشعر بعظيم امتنانه لك، والكثير من المجرمين في العالم يستغلون الحاجة لكي يعملوا على ابتزاز الضحية!
ولا تنتهي الانطباعات التي تكونها الزيارة الأولى لبلدٍ ما عند بوابة الخروج من المطار، بل سوف يستمر الزائر في وضع الصورة فوق الأخرى، بداية بموظف الجمارك والجوازات والسكان المحليين ودورات المياه في المطار وعمال النظافة، وسائق التاكسي بالطبع، خصوصاً ما يمكن أن يفعله سائق التاكسي في أي بلدٍ ليتجاوز في العادة مهمته الأساسية إلى مهمة تقديم نبذة تاريخية عن البلد وتقديم بعض الإرشادات السياحية للراكب الغريب.
الجانب الأهم في ترك الانطباعات الإيجابية لدى الغرباء، أنها تبقى في الذاكرة ويصعب محوها أو تصحيحها، بل الأهم من ذلك أن هذا الزائر سيعمل على نقلها لبلده لكونه صاحب تجربة شخصية، وشاهدٌ عيان وليس متلقياً للمعلومة عبر وسيلة إعلامية، قد تجمل الصورة أو تعمل على تقبيحها ربما!
وبإمكاننا أن نتساءل ما الذي يمكننا فعله للعمل على تحفيز الآخرين ليقوموا بالدعاية الإيجابية لأوطاننا حين يعودوا إلى بلدانهم بعد أن يزوروا بلادنا؟! وكيف يمكننا أن نترك انطباعاً إيجابياً لدى كل زائر، لكي يحمله معه عند عودته إلى بلده، إذ ليس هناك فرصة أخرى لتغيير هذا الانطباع، لذا سمي الانطباع انطباعاً لانطباعه في الذاكرة وعدم إمكانية إزالته في المستقبل.
وبإمكان أي منا أن يجرب هذا الشعور حين يزور بلداً لأول مرة، بالمقارنة بين نوع المعاملة التي يتوقعها أو يرغبها وبين المعاملة التي يتلقاها في الواقع في ذلك البلد، ليعمل على تكوين سقفٍ واقعي قابلٍ للتحقيق لتوقعاته وتوقعات الآخرين منه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي