اكفل عاطلاً أو أكثر تدخل النطاق الأخضر (1 من 2)

يواجه برنامج نطاقات في وضعه الحالي (شرح متكامل على موقع وزارة العمل) http://www.emol.gov.sa/nitaqat، مشكلتين أساسيتين تحدان من نجاحه أو تطويره لمراحل أعلى لتوطين وظائف مستديمة في السوق السعودية (حاليًا يربط هذا البرنامج توطين الوظائف بتشغيل الوافدين بنسبة 10 في المائة في المتوسط تقريبًا). سنعرض المشكلة الأولى في الجزء الأول من هذا المقال، أما الثانية فسنتطرق إليها باختصار في الجزء الثاني.
المشكلة الأولى والأكثر تعقيدا لدى برنامج نطاقات أنه يعتمد على سياسة الإحلال التي كانت وما زالت متبعة حاليا ومنذ فترة طويلة في توطين الوظائف، وهذه الاستراتيجية لم تنجح في القضاء على البطالة في السوق السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية، والصعوبة أو الاستحالة في نجاح استراتيجية أو سياسة الإحلال، ومن ثم البرامج المبنية عليها ناشئة عن عدم تحقيق الاستخدام الأمثل لعنصر العمل في السوق السعودية، وهذا التشوه الكبير الموجود فعليا على أرض الواقع في الاقتصاد الوطني يمثل بالتأكيد إهدارا كبيرا لكل عناصر أو مدخلات الإنتاج وأهمها عنصر العمل، وهنا يكمن سر الفشل في الحلول المبنية على سياسة الإحلال ولغز المشكلة أو المشكلات الحالية وأيضا شفرة الحل المستقبلية المستديمة في الوقت نفسه، هذا إضافة إلى أن سياسة واستراتيجية الإحلال والبرامج المبنية عليها لا تأخذ في الاعتبار عنصر أو جانب المستثمر أو المستهلك على الإطلاق (أي لا تتمكن أو تؤثر في إعادة هيكلة السوق)، وهذا ما يفسر مقاومتها من قبل القطاع الخاص وصعوبة نجاحها خلال أكثر من 30 سنة مضت من الاجتهادات والتجارب.
إن جوهر وحدود برنامج نطاقات في وضعه الحالي هو ربط عنصر العمل الوطني بتشغيل الوافدين في المتوسط بنسبة 10 في المائة تقريبا، وسبق وأن ذكرنا في أكثر من مناسبة أن نجاح هذه السياسة والبرامج المبنية عليها محدود جدا، ولن تكون الحل الأمثل لمعالجة مشكلة البطالة في السوق السعودية، ولن ندخل ونكرر الحديث في نظريات أو مسوغات اقتصادية معروفة لشرح هذه المشكلة الأساسية لدى برنامج نطاقات والبرامج والمحاولات السابقة لوزارة العمل التي ستعيدنا للمربع الأول بمقولة الوزارة المشهورة سابقا (مشكلة وزارة العمل أنها تحاول توظيف من لا يرغب في الوظيفة عند من لا يرغب في توظيفه)، والسبب أن هذه المحاولات تدور في فلسفة الإحلال.
والتخوف الواقعي أن يكون الحل بالاتفاق الضمني بين الطرفين (الوزارة والنطاقين الأحمر والأصفر) للخروج من هذه المشكلة هو توظيف غير حقيقي للعاطلين بأجور مقاربة من تعويضات البطالة، وبدعم من صندوق الموارد البشرية في بعض الأحيان، وبمعنى آخر ''اكفل عاطلا أو أكثر تدخل النطاق الأخضر.
وبهذا قد تحقق الوزارة نتيجة مهمة من هذا البرنامج بتحميل القطاع الخاص الجزء الأكبر من إجمالي الفاتورة الشهرية لتكاليف تعويض الباحثين أو العاطلين عن العمل التي ستبدأ في أول شهر من السنة القادمة وتزداد شهريا.
والسؤال المطروح على متخذي القرارات على مستوى الاقتصاد الكلي هو: لماذا توجد بطالة كبيرة في السوق السعودية رغم قوة ومتانة الاقتصاد الوطني؟ ولماذا لم يقم هذا الاقتصاد الوطني القوي ونموه العالي بدوره في تشغيل العاطلين ومعالجة البطالة - كما يحصل في اقتصادات الدول الأخرى خاصة المتقدمة منها – والإجابة باختصار شديد هي أن هناك فصلا أو عزلا واضحا وجوهريا بين الجانين، أي أن الاقتصاد الوطني (بطبيعته أو موارده أو نموه) ليس مرتبطا (مقيد) بعنصر العمل البشري الوطني وتنميته كما وكيفا.
ومن تطبيقات هذه الاستراتيجية التي تناسب الاقتصاد الوطني - على سبيل المثال - التخصص والتوسع في الصناعات البترولية وتكريرها، نظرا لأنها تعد أكبر ميزة تنافسية يتصف بها الاقتصاد الوطني، حيث تتوافر كميات كبيرة جدا من الموارد الطبيعية، كما تتوافر أيضا الأموال الكافية لاستثمارها، والنتيجة النهائية المؤكدة هي مضاعفة القيمة المضافة من مرتين إلى ثلاث مرات على قيمتها الخام للمستهلك النهائي بعد تكريره أو تصنيعه، وبهذه التغييرات الهيكلية في الاقتصاد يتمكن من استيعاب الكثير من الموارد البشرية الوطنية ولفترات طويلة الأجل بوظائف مستديمة ومجدية اقتصاديا، لأن هذا القطاع يخلق وظائف جديدة وبمرتبات عالية جدا. والأمثلة والتطبيقات والبرامج الأخرى كثيرة التي تنسجم وتتفق مع هذه الاستراتيجية التي تربط بين الاقتصاد الوطني (بطبيعته أو موارده أو نموه) وعنصر العمل البشري الوطني وتنميته كما وكيفا.
ونكرر ما سبق توضيحه في أكثر من مناسبة سابقة أن كل المحاولات والبرامج والجهود المبنية على سياسة الإحلال لم ولن تكون كافية لمعالجة البطالة في السوق السعودية، نظرا لأنها غير قادرة على إحداث تغييرات هيكلية في الاقتصاد لتعالج تشوهات حقيقية كبيرة في السوق السعودية، وذلك لخلق وظائف جديدة مجدية اقتصاديا لتكون مستديمة كي تعالج مشكلة البطالة، وطرحنا استراتيجيات وبدائل بشيء من التفصيل في مناسبات ومقالات سابقة.
ومن هذا المنطلق، وفي هذا السياق صدرت الأوامر السامية الكريمة بدفع تعويضات للباحثين عن العمل، وكذلك بتشكيل لجنة عليا برئاسة النائب الثاني وزير الداخلية وعضوية ثمانية وزراء لتقديم حلول عاجلة لمشكلة البطالة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي