32 صندوقا عقاريا غير كافية ولا تعكس حجم السوق العقارية السعودية

تتزايد المخاطر من احتمالات ضغوط المديونيات على الحكومات الأمريكية والأوروبية من حيث سداد سندات الخزانة والسندات السيادية الأخرى، مما فاقم المخاوف من احتمالات هزة جديدة ستؤثر في استقرار الأوضاع المالية للحكومات على مستوى العالم، لذا من المتوقع أن يتحول اتجاه جزء كبير من المدخرات من الاستثمار في الأصول المالية الحكومية إلى الاستثمار في الأصول الحقيقية والسلع الأساسية كمخازن وأوعية مؤقتة بحثاً عن الأمان، وهو ما بدا واضحاً مع ارتفاع الذهب والسلع الأساسية الأخرى إلى مستوى قياسي تاريخي، وبالتالي فإن هذا الاتجاه يؤسس لموجة جديدة من التضخم المرتفع.

وفي مساعي الحكومات الغربية إلى تقليص ميزانياتها بهدف التخفيض من أعباء وضغوط الديون وتقليل أحجامها النسبية إلى الدخول المحلية. ومع ذلك فإن هذه السياسات التقشفية في الميزانيات الأوروبية والأمريكية قد تؤدي إلى ركود أو توجه لكساد عالمي. ففي المجال العقاري أظهرت بيانات اقتصادية عن تراجع أسعار المساكن في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 5.9 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي، وهو أكبر انخفاض سنوي منذ عام 2009، ووفقاً لمؤسسة ''آي. إتش. إس جلوبال إنسايت'' فإن الإفلاس العقاري أدى إلى انخفاض أسعار المساكن لأن البنوك تريد التخلص من الوحدات السكنية التي استردتها من المقترضين العاجزين عن سداد أقساط القرض بأسرع ما يمكن. وأضافت المؤسسة أن البطالة هي العامل الرئيس وراء تزايد حالات الإفلاس العقاري. فقد ازداد موقف سوق العمل سوءا خلال الربع الثاني من العام الحالي، حيث وصل معدل البطالة إلى 9.1 في المائة مقابل 8.9 في المائة خلال الربع الأول من العام. ولذلك فقد توجهت الاستطلاعات الاقتصادية إلى احتمال وقوع العالم في تباطؤ أو ركود اقتصادي خلال العام الحالي.
وفي منطقة دول مجلس التعاون الخليجي توقع التقرير الصادر عن بنك قطر الدولي أن ينمو الاقتصاد الخليجي بمعدل 7 في المائة خلال العام الحالي، معدلا بذلك توقعات سابقة أن ينمو بنسبة 5.5 في المائة، مشيرا إلى أن الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (الربيع العربي) منذ أوائل عام 2011 عززت آفاق النمو الاقتصادي لدول الخليج في المدى القصير، متوقعا أن يتحسن النشاط الاقتصادي في دول الخليج نتيجة زيادة الإنتاج النفطي وارتفاع المصروفات الحكومية. وبحسب تقرير البنك القطري ذاته، فإن إنتاج النفط الخام لدول الخليج ارتفع بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة للتعويض عن التراجع الحاد في الإنتاج النفطي الليبي. وقدر أن تتجاوز قيمة السياسات الحكومية التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تعزيز مستويات المعيشة لمواطني دول الخليج مستوى 60 مليار دولار هذا العام، وذلك بما يشكل 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الخليجي، الأمر الذي يعزز نمو المصروفات الحكومية في الخليج هذا العام إلى 22 في المائة. وتوقع التقرير أيضا أن يبلغ معدل التضخم الخليجي في العام الحالي 3.6 في المائة، أي أقل مما كان متوقعاً سابقًا، رغم أنه سيتسارع مع دخول عام 2012، في ظل تراجع سعر صرف الدولار الأمريكي وتأثيره في أسعار الواردات في دول الخليج.
وأكد هذه التوقعات أيضاً تقرير ''المزايا القابضة''؛ أن ارتفاع التوقعات بعودة النفط إلى مستويات 100 دولار وأكثر تعزز من فرص دول الخليج لبناء احتياطيات جديدة تدفع الإنفاق الحكومي، وهو الأمر الذي سينعكس على الاقتصاد المحلي وبشكل خاص على الأسهم وخصوصا أسهم البنية الأساسية والعقارات، حيث من شأن ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي زيادة الإيرادات، إفساح المجال أمام تعزيز النفقات العامة للحكومات الخليجية، بالنظر للأهمية النسبية الكبيرة للقطاع النفطي في جميع دول مجلس التعاون الخليجي. وشهدت أرباح الشركات في المنطقة ارتفاعاً بنسبة 5 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، وتعود هذه الزيادة إلى ارتفاع الأرباح المسجلة خلال الربع الثاني من عام 2011 من قبل جميع القطاعات في أنحاء المنطقة، خاصة في قطاع البتروكيماويات وقطاع الأسمنت وقطاع البنوك والقطاع العقاري.
ومع هذه التقارير التي تعكس توقعات إيجابية للنمو وازدياد الإمكانات المالية للدول الخليجية ومقدرتها على التوسع في برامج الإنفاق التنموي، إلا أن تلك الإمكانات ستعيقها المخاوف من التضخم المحلي المرتفع والآثار السلبية الحقيقية والمعنوية بتوقعات كساد عالمي.
وفي القطاع العقاري السعودي طالب عدد من المتعاملين في السوق العقارية السعودية بزيادة نوعية وكمية في صناديق الاستثمار العقاري للنهوض بالمشاريع العقارية وعمل نقلة تنظيمية للتمويل العقاري وتنمية الاستثمارات الصغيرة، لأن عدد الصناديق التسويقية والتطويرية العقارية الذي لا يتجاوز 32 صندوقاً عقارياً لا يعكس واقع السوق العقارية التي تشهد طفرة، وأرجع الخبراء قلة عدد تلك الصناديق إلى عدد من العوامل أبرزها المخاوف من التغير في الأسعار على المديين القصير والمتوسط، وارتفاع أسعار الأراضي الخام الذي يزيد المخاطر من تحقيق عوائد مشجعة على الاستثمار، وتأخر صدور أنظمة الرهن العقاري.
وعلى صعيد التداولات العقارية فإنه خلال الشهر الماضي (شهر رمضان المبارك) عادة ما كانت سوق العقارات عبر السنوات الماضية تعيش هدوءا نسبياً خلال موسم العبادة، على أن تستعد لمعترك البيع والشراء مع بداية السنة الجديدة أيلول (سبتمبر). وبخلاف ذلك عايشت هذه السنة المدينتان المقدستان مكة المكرمة والمدينة المنورة حركة اقتصادية أكبر من المعتاد خلال الشهر الكريم من بقية مدن المملكة عبر مشاريع إسكانية أو فندقية أو غيرها من المشاريع، خصوصاً في ظل التطوير المستمر للمدينتين من قبل الحكومة السعودية، ومنها ما قام به خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - خلال العشر الأواخر من رمضان بإطلاق مشروع (إعمار مكة)، وبحسب تقديرات سابقة فإن قيمة الاستثمارات المتوقعة في مكة المكرمة تصل إلى 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار)، وهو ما يبرز فرصاً كثيرة في مكة المكرمة.
أما في بقية السوق العقارية في مدن المملكة فقد شهدت التداولات في شهر رمضان المبارك إتمام عدد من الفرص والصفقات العقارية وتوقيع عدد من الاتفاقيات، منها صدور موافقة هيئة سوق المال السعودية على طلب مجموعة كسب المالية بإنشاء (صندوق كسب الفرص العقارية) برأس مال 500 مليون ريال، وأن الهدف الأساسي من الصندوق اقتناص الفرص العقارية والعمل على تطويرها واستثمارها بغرض تحقيق عوائد استثمارية مجزية، فيما أعلنت مجموعة عادل المد الله العقارية ومبارك الأمير وشركائهم أنهم بصدد إقامة مزاد علني على 49 قطعة في الدمام في حي الشاطئ، كما أبرمت الشركة العقارية السعودية في الثلث الأول من رمضان صفقة شراء أرض في مدينة الرياض واقعة على طريق الثمامة (امتداد التخصصي) تبلغ مساحتها 39 ألفاً و800 متر مربع بقيمة إجمالية قدرها 100 مليون و743 ألفا و750 ريالا، في حين وقعت شركة أملاك العالمية للتطوير والتمويل العقاري اتفاقية استثمار مشترك مع شركة مشاريع الأرجان، لتطوير جزء من مشروع قرطبة التابع لـ ''مشاريع الأرجان''، حيث يشمل الاتفاق في مرحلته الأولى تطوير وبناء 162 شقة سكنية بتكلفة تقريبية تقدر بـ 70 مليون ريال، في خطوة من شأنها أن توفر تسهيلات لمقترضي صندوق التنمية العقاري لتملك الوحدات السكنية التي تعمل الشركتان على تطويرها عبر طرح مساكن تراوح أسعارها ما بين 350 و600 ألف ريال.
وسجلت مؤشرات التداولات العقارية نسباً متفاوتة بين مدن المملكة من حيث إجمالي القيمة خلال الشهر الكريم، ففي المدينة المنورة شهد معدل النمو لقيمة الصفقات العقارية ارتفاعاً بمقدار 336 في المائة خلال شهر رمضان الكريم من العام الحالي مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وفي الرياض شهد معدل النمو لقيمة الصفقات العقارية ارتفاعاً بمقدار 32 في المائة خلال شهر رمضان الكريم من العام الحالي مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، أما في مدينة الدمام فقد شهد معدل النمو لقيمة الصفقات العقارية انخفاضاً بمقدار 33.6- في المائة خلال شهر رمضان الكريم من العام الحالي مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
وينعكس نمو النشاط العقاري في عديد من الفرص التي نُفذت خلال شهر رمضان الماضي 1432هـ مقارنة بشهر رمضان من عام 1431هـ، احتمالات نمو كبيرة في التداولات والأنشطة العقارية والقيمة المضافة مع بداية العام الجديد في شهر شوال الحالي (سبتمبر)، وربما ينكبح جماح هذه التفاؤلات باستمرار ازدهار النشاط العقاري مع بداية هذه السنة، من ناحية، التخوفات من الآثار السلبية المعنوية والحقيقية لاحتمالات ركود عالمي، ومن ناحية أخرى التخوفات من اقتراب أسعار العقارات لكثير من المواقع والمدن من بلوغ قمم عالية لا بد لها بعدها من التباطؤ والتراجع.

مستشار اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي