المملكة واستضافة نشاط عالمي بحجم المعرض الزراعي

استضافة المملكة لأكبر معرض زراعي في الشرق الأوسط هذه الأيام هي استضافة مستحقة تليق بما حققته بلادنا من إنجازات تعد "خرافية"، بالنظر إلى المعوقات والظروف غير المواتية للتنمية الزراعية. وعلى الرغم من المخاطر الكبيرة المحيطة بالزراعة، فقد قامت الدولة بخطوات جريئة في هذا القطاع بتنوع مجالاته، حيث ضخت مليارات الريالات في قنوات الاستثمار الزراعي حتى ارتوت الصحارى اليباب واكتست خضرة ونضرة ودبًت فيها الحياة واهتزت أرض المملكة وربت وانبتت من كل زوج بهيج.
كانت تلك الخطوات الجريئة كافية على ما يبدو لحفز القطاع الخاص السعودي لالتقاط قفاز التحدي والدخول في معترك الزراعة وتحريك فوائضه المالية نحو الزراعة تعزيزاً لتوجه الدولة نحو توفير الغذاء، ومكن ذلك بلادنا من الحد من مخاطر الاعتماد الكلي على الخارج في توفير الغذاء وتغطية الاستهلاك المحلي.
رويداً رويداً، أصبحت المملكة قريبة من تحقيق الاكتفاء الذاتي في عديد من المنتجات الغذائية، فأصبحنا على سبيل المثال لا الحصر ننتج نحو 50 في المائة من حاجياتنا من اللحوم وما يقارب 15 في المائة من الاستهلاك المحلي من الأعلاف. وبفضل دعم الدولة يتوقع الخبراء ارتفاع هذه النسبة إلى مستويات أعلى، فضلاً عن الاكتفاء من منتجات الألبان، بل تصديرها إلى الأسواق الخارجية، وهذا بحد ذاته "معجزة اقتصادية" لبلد صحراوي أقل ما يمكن أن يقال عن بيئته إنها غير مواتية للإنتاج الزراعي والحيواني.
لقد خصصت المملكة على المستويين الحكومي والأهلي موارد ضخمة للارتقاء بأمنها الغذائي، ما مكن المواطنين والمقيمين من الحصول على المنتجات الغذائية ضمن مستويات سعرية معقولة وفي متناول اليد، فقطاع الدواجن وحده يستقطب نحو 30 مليار ريال من الاستثمارات المحلية محققاً الربحية للمستثمرين، وموفراً المنتج عالي الجودة بسعر تنافسي للمستهلك المحلي، وإذا علمنا أن المملكة تحتل المركز الثالث عالمياً في استهلاك الدواجن في بمعدل 40 كيلوجراماً في السنة للفرد، فإن هذا يكفي لتأكيد أهمية هذا القطاع الاستراتيجية.
بكل اعتزاز يمكنني القول إن "أراسكو" منذ انطلاقها عام 1983 أصبحت ضمن هذه المنظومة الوطنية التي تعمل على تعزيز التدفق المستدام لإمداد الغذاء في المملكة، فضلاً عن ابتكارها منتجات جديدة تشجع ترشيد استهلاك الموارد المائية المتاحة، وبالتالي دعم جهود الدولة لتحقيق الأمن المائي.
لقد نجحت المملكة، بفضل تناغم جهود الدولة والقطاع الخاص الزراعي في تحقيق قفزات تنموية هائلة للقطاع الزراعي السعودي خلال العقود الأربعة الأخيرة، فقد ارتفع الناتج المحلي الزراعي من 990 مليون ريال (264 مليون دولار) عام 1970 إلى 38.3 مليار ريال (10.2 مليار دولار) بالأسعار الجارية و390.5 مليار ريال (10.5 مليار دولار) بالأسعار الثابتة" عام 2005م، بمعدل نمو سنوي بلغ 11 في المائة.
وفي ظل هذه الإنجازات القياسية، واستمرار تشبث المملكة بأن يكون أمنها الغذائي بيدها "لا بيد عمرو"، واصل القطاع الخاص السعودي ضخ استثماراته في القطاع، وأصبحت شركة مثل "أراسكو" على سبيل المثال قادرة على إدارة محفظة متكاملة من الأنشطة التجارية التي تسهم في رفع مستوى جودة المنتجات الغذائية في المملكة، وتساعد على إنشاء المزارع الحديثة. وهناك مؤسسة صوامع الغلال وعديد من شركات القطاع الخاص ذات المهام الاستراتيجية التي تمكنت من تنسيق جهودها باتجاه التناغم مع المصالح الوطنية الكبرى دون المساس بهدفها الأساس في تعظيم العائد على أعمالها التشغيلية وتحقيق النمو المستدام لها.
المعرض الزراعي السعودي لهذا العام في دورته الثلاثين، يمثل بالنسبة لنا في المملكة أهمية خاصة تتجدد كل عام، فهو النافذة التي يطل عبرها القطاع الزراعي على العالم مستكشفاً أحدث وأفضل الحلول التقنية وأحدث الابتكارات التي تم التوصل إليها، بغرض دمجها واستخدامها للارتقاء بكفاية هذا النشاط محلياً بما يعزز القدرة التنافسية للقطاع بشكل عام، ولقطاع الأعمال الزراعي على وجه الخصوص، ولذلك فنحن أمام حدث مهم وفرصة سانحة للاحتكاك بالآخرين والتباحث معهم من أجل غد أفضل لقطاعنا الزراعي السعودي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي