رسالة إلى «أرامكو»: استعيدي أمجادك
''أرامكو'' عملاق تنموي لعب في الماضي دورًا مميزًا في تأهيل وتوفير بيئة تنموية سعودية، حيث كان لها دورها المشهود في نهضة المملكة. وبمناسبة اليوم الوطني الذي نعيش هذه الأيام أفراحه، ونتذكر فيه رموزنا الوطنية رأيت في هذا المقال أن نقف عند شركة أرامكو العملاقة، التي عايشت وشاركت في وضع لبنات رئيسة في مسيرة البناء السعودي. لم تكن ''أرامكو'' شركة بترول فقط تعمل على استكشاف البترول وتصديره، ولكنها كانت عبارة عن مجموعة من الأنشطة التنموية للمملكة العربية السعودية. فقد استقطبت الكثير من أبناء الوطن ومن جميع نواحيه، فدربتهم وعلمتهم وأوصلتهم إلى قمم النجاح الإداري والمالي والاقتصادي. فعلاوة على التأهيل والتعليم لكوادرها السعودية، فقد فتحت الباب لمن يرغب في إنشاء أعماله الخاصة ودعمه عن طريق عقود ذات ارتباط بمشاريع ''أرامكو''، وبذا تَكَوَّنَ جيلٌ من رواد المال والأعمال الذين صار لهم صيتهم ودورهم التنموي على مستوى المملكة.
كما أن العملاق المسمى ''أرامكو'' كذلك كان يستشعر ما يعرف الآن بالمسؤولية الاجتماعية. فقامت بفتح المدارس وتوفير احتياجاتها. وكانت هذه المدارس نموذجًا لو استمر لكانت نتائجه أكثر وضوحًا وأعظم منفعة.
تبنت ''أرامكو'' تخطيط وبناء الأحياء السكنية، فكان ذلك قمة التحديث لتلك المجتمعات، ومن ثَمَّ قامت المدن الحديثة في المنطقة الشرقية مثل الدمام والخبر ورأس تنورة والظهران.
أعطت ''أرامكو'' القروض الميسرة لمنسوبيها فأعانتهم على بناء مستقبلهم ومستقبل أبنائهم بشكل كان يضرب به المثل ويتمناه من لم يسعده الحظ في الالتحاق بـ''أرامكو''.
كان منسوبوها وأحياؤهم التي يسكنونها نموذجًا رائعًا للتمازج الاجتماعي لا فرق بين هذا وذاك، ولا يكترث أحد من أين أتى زميله أو ما هو تصنيفه الاجتماعي. الكل كان من منسوبي ''أرامكو'' وكفى.
قامت بدور رائد في توفير العناية الصحية، وفي نشر الوعي الصحي، والقضاء على بعض الأمراض المستوطنة. لقد مَرَّ علينا ونحن أطفال في مدارس مدينة الرياض تلك الأيام البهيجة التي تأتي فيها سيارات ''أرامكو'' ومنسوبوها، ويقومون بعرض أفلام توعوية وثقافية وتعليمية، وكان ذلك يعطينا أعلى مراتب البهجة والفرح.
تبنت ''أرامكو'' الوعي الإعلامي فأنشأت مجلة القافلة التي كانت وما زالت ذات خصوصية وطعم مميز. كانت رائدة في افتتاح التلفزيون ونشر بثه على سكان المنطقة الشرقية.
كان الالتحاق بـ''أرامكو'' بداية الطريق وضمان النجاح لكل شاب وشابة، فأقبل عليها الكل، وشقوا طريقهم إلى أعلى قمم النجاح. ولذا فإن تجربة ''أرامكو'' هي أفضل رد على محاربي السعودة وادعاءاتهم بعدم رغبة وقدرة السعوديين على العمل المضني نوعًا وكمًّا.
فإذا كان هذا هو ماضي ''أرامكو'' المجيد، وإذا كان هذا هو تاريخها فما الذي حصل؟ ولماذا لم نعد نسمع الشيء الكثير عنها إلا في أضيق الحدود؟ هل تغيرت ''أرامكو'' أم أننا كمجتمع نحن الذين تغيرنا؟
إن ''أرامكو'' اليوم تدير أكبر حقول النفط في العالم، التي تحتاج إليها جميع شعوب واقتصاديات العالم، ومن ثَمَّ فهي قيمة عالمية ما زالت لها الصدارة دوليًا، إلا أنها فقدت بريقها المحلي ولم تعد بقعة الضوء الجاذبة. هل كان ذلك من المجتمع أم من ''أرامكو'' نفسها؟ نعم ''أرامكو'' لم تعد ''أرامكو''. لقد أصبحت شركات أقل منها قيمة ذات تأثير في مجتمعاتها أكثر وأكبر من تأثير ''أرامكو'' على المجتمع السعودي. تذهب إلى ماليزيا على سبيل المثال فتجد اسم بتروناس يتردد في كل مكان وعلى كل لسان، حتى إن أشهر مباني كولالمبور مرتبط باسم هذه الشركة. إن الحقيقة المرة هي أن اسم ''أرامكو'' بدأ يتوارى داخل المملكة إلا بين المختصين والمعنيين مباشرة بنشاطها.
أصبحت بدلاً من أن تكون الموظف الأول للسعوديين، توفر كثيرًا من احتياجاتها البشرية عن طريق موردين من خارج هيكلها الوظيفي. فأصبح الحال لا يَسُرُّ كل متفائل ومؤمن بأهمية ''أرامكو''. فالسعودي يتم التعاقد معه عن طريق شركة غير ''أرامكو'' توقع معه عقودًا سنوية لا يعلم هل تستمر أم لا، ومن ثَمَّ يعيش في حالة قلق ويفقد مبدأ الولاء للشركة، الذي هو أحد أسرار نجاح ''أرامكو'' في الماضي.
كما أن الشركات الموردة للعمالة أو المنفذة لأعمال معينة لحساب ''أرامكو'' أدخلت جنسيات متنوعة تدير أعمالاً كانت تُدار بأيدٍ سعودية في العصر الجميل يشهد تاريخ ''أرامكو'' لهم بالفضل.
أين العملاق ''أرامكو'' من مسيرة التنمية السعودية؟ أينها من الحد من البطالة التي أصبحت بعبعًا يهدد مستقبلنا؟ أين أدوارها ومسؤولياتها الاجتماعية؟
عندما نطرح مثل هذه الأسئلة بحرقة؛ فذلك لأننا نعلم أن ''أرامكو'' قادرة على عمل الكثير للمجتمع السعودي. وهي تحت إدارة كفاءات سعودية قادرة ـــ إن شاء الله ـــ على نفض الغبار عن دور ''أرامكو'' وعدم الاكتفاء بإنتاج وتصدير البترول. ''أرامكو'' عملاق إداري واقتصادي قادر على أن يضع بصمته مرة أخرى على أجيال هذا الزمان مثل ما فعلت مع الأجيال الماضية.
إنها دعوة صادقة أن تعمل إدارة ''أرامكو'' على إنتاج اسمها المحلي كما هو اسمها العالمي، وأن تلتفت إلى دورها التنموي المحلي مثل ما هي ناجحة في دورها العالمي.
ماذا لو؟
ماذا لو حُصر العمل في ''أرامكو'' على السعوديين فقط، فلم تعد هنالك مبررات لوجود غيرهم؟