عذابات «رجل الأمن الأول»
شعار أن المواطن هو ''رجل الأمن الأول'' شعار حقيقي ونلمس تطبيقه على أرض الواقع، وتعمق خلال المواجهة الصارمة لبواسل الأمن ضد الإرهاب خلال السنوات الماضية، وهو ما جعل الثناء يأتي من قمة الهرم في الدولة، وكان آخرها خطاب خادم الحرمين الشريفين في مجلس الشورى هذا الأسبوع، وما يرد دائما على لسان قائد الأمن الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية.
هذا الشعار يتعرض – مع الأسف الشديد - لبعض المعوقات أحيانا، ربما يكون السبب في ذلك بعض التنظميات والتعاميم الروتينية والبيروقراطية كما يقول بعض المعنيين أو من خلال اجتهادات فردية من قبل بعض القائمين على الشأن الأمني.
هذا الأسبوع كانت لي تجربة شخصية في هذا المجال، فقد فوجئت صباحا بسرقة لوحة سيارتي من أمام منزلي، وقد لاحظ عدم وجودها رجل مرور في الشارع استوقفني لهذا الأمر. كان أول اتهام واجهني به أني ربما رميتها من أجل التخلص من كاميرات ساهر. ابتسمت له، واضطررت إلى أداء قسم عظيم لأثبت براءتي. كانت علامة الصدمة علي كافية ليعفو عني.
توجهت فورا إلى أقرب مركز شرطة للإبلاغ، كان خوفي الأول أن تستخدم اللوحة في أمر أمني يضر أمن البلد أولا وأخيرا، مع إيماني بأن بلاغي لو حدث في وقت مبكر ربما يكون سببا في إحباط عملية أو كشف جريمة قبل وقوعها.. لن أخوض في تفاصيل المعاملة وطريقة تلقي مواطن – عَدَّ نفسه دائما رجل الأمن الأول - في مركز شرطة، لكن الأهم أني لم أستطع أن أبلغ عن فقد اللوحة.. السبب أن مقر سكني لا يقع في نطاق عمل مركز الشرطة. حاولت التفاهم مع الشرطي والتأكيد على أن هدفي من الحضور والإبلاغ ليس الحصول على لوحة جديدة، لكن لتأدية الواجب الأمني والإبلاغ فورا، وأن استكمال الإجراءات يمكن أن يكون لاحقا.. لكني صدمت بقوله إن هذا النظام وهذه التعليمات.. وختم: هل ترضى لي بالضرر؟
قلت: لا.. وألفُ لا.. لكني أبحث عن مصلحة بلدي يا سيدي!!
توقعت أن القضية ستكون قضية الشرطة فور حضوري، لكني خرجت من المركز خالي الوفاض، وتحولت القضية لقضيتي أنا.. وأنا فقط.. لأواصل مسيري في شوارع عاصمتي الحبيبة بسيارة بدون لوحة أمامية.
اليوم التالي توجهت إلى مركز الشرطة الذي يقع داخل نطاق منزلي السكني، فقال موظف مدني يبدو أنه سكرتير للمسؤول عن هذه القضايا بعد أن سمع مطلبي: يجب أن تحضر إثبات سكن، سواء عقد إيجار أو فاتورة، وورقة من مركز معلومات المرور يثبت أن لديك لوحة سيارة، غير ذلك فلن تستطيع الإبلاغ.
في المرور بعد أخذ ورد قال لي الموظف خلسة: اذهب إلى الشرطة (يا ولدي) وأخل مسؤوليتك.. واللوحة لاحق عليها.. هكذا عدت أدراجي إلى الشرطة مساء، وكأنه كتب علي أن أشهد أنواع المشكلات والمضاربات والمحاضر والضبطيات، التي شهدها المركز ذلك المساء، حيث وقفت على كثير منها وكأني أحد أصحاب المشكلات. حصلت أخيرا على التعميم بعد ثلاثة أيام من فقدي للوحة، وهأنذا أستعد للذهاب إلى المرور.. وأسير في شوارع الرياض بلا لوحة سيارة وأحمل في جيبي ورقة ''تعميم'' عن اللوحة.
ما الذي يضير الشرطة لو تم تلقي البلاغ فورا من أي مكان، والتعامل معه كما يجب؟ ما علاقة عقد السكن وفاتورة ماء أو هاتف في عصر الإنترنت والتقنية؟ ثم ألا يكفي أن يكون لدي استمارة تثبت وجود سيارة أصلا، فما الداعي إلى ورقة مركز المعلومات.. والسؤال الكبير: هل هذه الطريقة السليمة لتلقي البلاغات الأمنية؟
أيضا أليس حريا بالمرور أن يتلقى من طرفه بلاغي فورا ويبلغ الشرطة بطريقته الخاصة، ويمنح للمالك (لوحة مؤقتة) بشكل فوري لحل مثل هذه الإشكاليات البسيطة التي قد تتسبب في مشكلات كبيرة.