حسابات مشوهة

من الملح وضع أدوات مختلفة لقياس القيمة الحقيقية لوزن دول الجنوب أو الدول النامية ومساهمتها في الثروة العالمية. يفرض التغيير نفسه بسبب التشوه الذي تقدمه الأسعار في الصورة الإجمالية لصادرات كل بلد. فالدول عالية التصنيع تنال حصة الأسد من تجارة العالم كما أن 23 منها لا يتجاوز تعداد سكانه 15 في المائة من سكان العالم لكنها تتبادل 68 في المائة من صادرات العالم فيما بينها, حيث إن أكثر من ثلثي التجارة العالمية يتم داخل هذه المجموعة. أي أن الكثير من التبادلات التجارية بين البلدان المتطورة تشمل سلعا متماثلة. من الأرقام الطريفة المعبرة عن هذه الحالة أن بريطانيا مثلا في 2002 قامت بتصدير 120 مليون لتر من الحليب، و52 ألف طن من الزبدة إلى دول الجوار. في العام نفسه قامت باستيراد 181 مليون لتر من الحليب و55 ألف طن من الزبدة، من الدول نفسها.
من ناحية أخرى، لا تشكل تجارة الدول النامية، فيما بينها ثلث الرقم الذي تتاجر به مع البلدان الصناعية فمعظم بلدان القرن الإفريقي مثلا تنحصر تجارتها العالمية بعدة دول أوروبية ولا سيما فرنسا. لكن التجارة بين بلدان شرق وجنوب شرق آسيا تقارب 50 في المائة من تجارتها العالمية، كما أن بلدان أمريكا اللاتينية تشهد ارتفاعا متزايدا في تجارتها البينية.
إن الخلل في قيمة الصادرات العالمية، يعود ببساطة إلى سبب رئيسي هو أن سعر السلعة يتقرر بواسطة الشركات العالمية، وبحسب إمكانات المستهلك الغربي. إن قيمة الحذاء الرياضي نفسه تختلف، مثلا ما بين باكستان وأمريكا. في صادرات الباكستان يظهر الرقم على أنه 15 دولارا، بينما يباع في أمريكا بـ 100 دولار. لأنه في باكستان يدفع للطفل العامل أو المرأة العاملة دولار لقاء قوة العمل، و14 دولارا لتغطية تكاليف الإنتاج. تشمل تلك التكاليف، المواد الخام والآلات المستخدمة، وأجرة الشحن إلى بلد الاستيراد. إذا التكلفة تصبح 15 دولارا، هذا الرقم هو ما يسجل في حصة باكستان من الصادرات العالمية. لكن الحذاء نفسه سيباع في أمريكا أو الدول الأوروبية بأكثر من 100 دولار. أي أن فارق 85 دولارا الذي ينشأ، يدفعها المستهلك تذهب إلى الشركة صاحبة الاسم (الماركة)، وإلى تكلفة التغليف وأجر شركة الإعلان وأرباح الشركة وحصص حاملي الأسهم، وراتب البائع.
في مثال آخر، وفي تقرير لجريدة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية, فإن ثلثي الألماس الخام المستخرج من الكونغو - برازافيل، يتم تهريبه عبر الكونغو الديمقراطية، يصل إلى أنتورب البلجيكية، أحد المراكز العالمية لصقل الألماس وتسويقه. يعالج الألماس الكونغولي في بلجيكا ثم يصدر وتدخل قيمة تصديره في حصة بلجيكا من الصادرات العالمية في حين لا تدخل أية قيمة تذكر في صادرات الكونغو.
أما بالنسبة لشركات الأحياء العالمية، فإن جزءا كبيرا من مساهمتها القوية في الثروة العالمية، يمر عبر مزارع الفقراء. فالشركات المعنية تستولي على الشيفرة الوراثية لنبات ما، كان حصيلة قرون من زراعته في أرياف بلدان العالم الثالث. لذلك تقوم بتسجيل براءة الاختراع باسمها بوصفه اكتشافا محميا باتفاقية حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة العالمية. تتم عملية الاستيلاء عن طريق زراعة النبات في مزارع الشركة العالمية، ومن ثم تصدر البذرة المسجلة ببراءة اختراع، إلى الدول نفسها التي كانت تزرع تلك البذور. بقدرة قادر تسجل تلك البذور المهجنة على أنها مساهمة من الشركة في الثروة العالمية ويدخل السعر ضمن حصة بلد الشركة. في حين لو واصل أي بلد متخلف، زراعة هذا النبات وحقق اكتفاءه الذاتي، ولم يتم تداول المحاصيل في الأسواق العالمية فلن تظهر له أية مساهمة في الصادرات العالمية، ولا في حساب الناتج المحلي الإجمالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي