تبرعاتنا .. ومنظماتهم الخيرية
لا أميل إلى المصادمة مع كل ما هو غربي وأجزم يقيناً أن في ساحة العمل الخيري بالذات أن نقاط الالتقاء أكثر من نقاط الاختلاف بين الغرب والشرق أو بين الشمال والجنوب، كما يحلو للبعض تقسيم العالم .. إلا أن المتأمل في حالة الكوارث والنكبات التي لحقت ببعض دول العالم والتي يكثر من بينها الدول الإسلامية (الصومال، باكستان، غزة وغيرها) يجد استحواذ المنظمات الإغاثية الغربية على المشهد وكأنها الممثل الوحيد لقيم الرحمة والشفقة والعطف دون سواها مع أن كثيراً من الدعم والمساندة المالية تقدم من العالم الإسلامي وتحديداً من الدول العربية الأكثر ثراءً.
تميزنا نحن السعوديين - بفضل الله - بالوقوف مع فقراء العالم والقرب من المحتاجين دون تمييز بين مسلم وغيره، لكن تميزنا ينحصر في تجميع التبرعات وإرسالها إلى جهات تنفيذية أخرى.
إن حجم ما تبرعت به السعودية كحكومة وشعب يتجاوز المليارات ولكن تواجدنا على ساحة الأرقام لا يوازيه تواجد على ساحة الكوارث والنكبات، فالجهات الإغاثية التنفيذية السعودية التي تعمل خارجياً تكاد تكون معدومة وما كان موجودا منها قبل الحادي عشر من سبتمبر لم تكن متخصصة بالصورة التي تماثل أقرانها في العالم الغربي.
إن عدم وجود جهات إغاثية سعودية تنطلق من وازع ديني ووطني وتزاحم المنظمات الغربية المتربعة على عرش الإغاثة العالمية فوت على السعودية حكومة وشعباً فرصاً كثيرة. منها وليس كلها: فوات فرصة بناء خبرة سعودية احترافية في أعمال الإغاثة ومجال "الإغاثة العاجلة" أصبح مجال عمل متخصصا يختلف في شكله ومضمونه عن بقية أشكال العمل الخيرية الأخرى، يقوم على سرعة ردة الفعل والتنسيق العالي بين جهود متنوعة. ومنها أيضاً فوات فرصة مد جسور مباشرة بين السعودية كحكومة وشعب مع الجهات المستفيدة، فإن عمل الكوادر السعودية المباشر مع المنكوبين والجهات الرسمية والأهلية المحلية كفيل بأن يمتن علاقات بين الطرفين تقوم على الاحترام والتقدير. ومنها أيضاً فوات فرصة تكون سمعة حسنة عن السعودية والسعوديين، فالحضور الإعلامي للسعودي في مواطن النكبات والكوارث صوتاً وصورة يحسن من صورة السعودي الذي تلاحقه الاتهامات الكاذبة من كل حدب وصوب.
وأخيراً فإن وجود جهة سعودية إغاثية احترافية سوف يعزز من ثقة المجتمع السعودي أفراداً وشركات في جدوى حملات جمع التبرعات التي تقام وتشرف عليها الدولة.
حسناً، أين موقع هيئة الإغاثة الإسلامية والهلال الأحمر السعودي من حديثنا هذا؟
المتأمل لطبيعة عمل كلتا الجهتين يدرك أن أيا منهما لا يحقق في صورته الحالية ما يصبو إليه هذا المقال، فهيئة الإغاثة الإسلامية لا تعتبر قانونياً سعودية فهي هيئة من ضمن عشرات الهيئات الخيرية التابعة لرابطة العالم الإسلامي وقد توسعت في برامجها وأنشطتها الخيرية حتى لم يبق للإغاثة العاجلة إلا فرع من فروعها المتنوعة.
كما أن الهلال الأحمر السعودي على خلاف أقرانه من منظمات الصليب الأحمر النشيطة في أماكن الكوارث والنكبات، ينحصر نشاطه محلياً ولا يكاد يذكر له أثر بارز خارج أرض الوطن.
إنه من المفيد جداً أن تمتلك المملكة العربية السعودية هيئة أهلية متخصصة تحترف الأعمال الإغاثية العاجلة توكل إليها مهام تنفيذ أي عمل إغاثي خارجي لنستثمر نحن السعوديين الأعمال الإغاثية الخارجية بما يحقق لنا أكبر قدر من العوائد والمصالح.