إلى أين تتجه ملتقياتنا .. ورقة عمل مضى عليها 16 عاما وصورة مفبركة؟!

كالعادة وبعد انتهاء الإجازة الصيفية انهالت علينا الكثير من الدعوات والإعلانات التي تدعو إلى المشاركة في حضور عدد كبير من المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية والتقنية والاجتماعية والهندسية ومعارض التوظيف بجميع أشكالها وألوانها وأسمائها.
المرجو من تلك المؤتمرات أن تحقق نتائج ملموسة وإلا أصبحت تعبئة فراغات وقتل وقت، ومع أن القليل من تلك الندوات والمؤتمرات الثقيلة الوزن كان له أصداء قوية لدقة التنظيم وجدة المضمون واختيار أوراق العمل بعناية لكي تواكب متطلبات العصر، إلا أن كثيرا منها يمضي في فلك آخر، حيث تنظم بعشوائية من جميع الجوانب، خصوصاً المضمون الذي يُفترض أن ينصب عليه اهتمام خاص يفوق الاهتمام بالشكليات والعناوين الرنانة والمكاسب المادية المرجوة من ورائها.
وفي حقيقة الأمر أن هذه المؤتمرات والمنتديات تفاجئنا غالباً بتواضع وهشاشة مضمونها رغم عناوينها المثيرة، ولعل السبب الرئيس يكمن في انشغال أعضاء اللجان العلمية بأعمالهم الخاصة وعدم توافر الوقت الكافي للحيلولة دون تكرار أوراق عمل المشاركين وهو السائد في عديد من تلك المنتديات، كما أن بعض المشاركين يستغلون سبات تلك اللجان وبالتالي لا يترددون في تكرار ما سبق لهم أن قدموه في منتديات ماضية، والأدهى من ذلك أن بعض الجهات المنظمة تحرص على استقطاب أسماء معروفة بمبالغ مادية كبيرة بهدف إضفاء مكانة مميزة على منتداهم لكننا في النهاية نجد أن ما تطرق إليه ذلك المشارك قد قاله في منتدى سابق رغم أنه لا يفصل بين المنتديين سوى وقت قصير.
أعلم جيدا أن المتحدث يستحق المبلغ مقابل ما بذله من جهد في البحث وصياغة ورقة تستحق العرض والاستماع إلا أن الأمر مختلف مع تلك الفئة التي تعتمد على التكرار وأحيانا (السواليف) وهي بالتأكيد لا تستحق أقل تقدير لعدم أمانتها العلمية ولاستخفافها بالمنتدى وأنه لا بد أن يعي المتحدثون جيدا أن حضور الملتقى يتمتعون بذكاء يفوق ذكاءهم وبذاكرة حاضرة أيضاً.
كان بالإمكان أن نغض الطرف عن الهفوات الشكلية، أما أن تصدمنا ورقة عمل مضى عليها 16 عاما ثم تخرج علينا متبخترة في أحد المنتديات الإعلامية، وهو ما حدث بالفعل في منتدى عقد في الرياض حرصت فيه الجمعية المنظمة على استقطاب متحدثين خليجيين وعرب، ويبدو أنها لم تحرص كثيراً على قراءة وتفحص أوراق العمل المقدمة لهذا الملتقى.
كنت حينها أهتم بجمع البحوث للاستفادة منها لما بعد مرحلة الماجستير في الإعلام وبمراجعة سريعة لأوراق العمل خلال المنتدى صعقت بأن ورقة العمل التي ألقتها إحدى المشاركات من البحرين كان قد تم إعدادها في عام 1996م.
الجمعية المنظمة تعد واحدة من الجمعيات العلمية الإعلامية السعودية الرائدة، وتضم عددا كبيرا من الأكاديميين الذين يحاضرون في الإعلام الجديد وهم الأكثر معرفة بأن النقلة النوعية التي حدثت خلال الـ 10 سنوات الأخيرة في مجال الإعلام تجعل البحوث التي سبقت تلك الأعوام من بضاعة ما أكل الدهر عليها وشرب فما بالك ببحث مضى عليه 16 عاما؟
لا نفهم أي معنى للترويج عن هذه الملتقيات والمنتديات في وسائل الإعلام والتنويه بأنه يشارك فيها متحدثون خليجيون وعرب عملت الجمعية على استقطابهم بالكثير من الجهد والمال في منتدى إعلامي فيما أوراق العمل المقدمة لا تحاكي الواقع وبعضها كاسد، فالعبرة ليست بجنسيات المتحدثين وألقابهم ومناصبهم، وإنما بالإضافة المعرفية والعلمية التي يقدمها هؤلاء المتحدثون.
لا تقف الثغرات التي تؤخذ على الكثير من المنتديات والملتقيات عند هذا الحد، بل إنها تمتد إلى ما يتصل بالمغالطة في إبراز حقيقة الصورة، حيث يأتي تكليف جهات ليست لديها دراية بمتطلبات نجاح هذه المنتديات لتشارك في عمل تفتقد مهاراته والصدقية فيه ما يسهم في تدني مستوى الملتقى .. المفارقة هنا أننا نقرأ عن أهمية هذه الندوات من ناحية لكننا في الوقت نفسه لا نجد في المقابل سوى الصورة الهشة جدا ولا نستطيع الاستفادة منها إلا بحد أدنى من الفائدة .. وإذا كنا نعرف أن الجهات المنظمة تحرص على حقوقها ومكاسبها المادية أولا وقبل كل شيء فذلك لا يعطيها الحق في أن تتدخل في صميم عمل الجهات الداعية للمؤتمر، خاصة إن كانت من الجهات المعتبرة التي يعتد بها سواء من القطاعات الحكومية أو الخاصة. أقول هذا وأمام عيني أمثلة كثيرة لكني سأكتفي بالملتقى الوطني الأول لسيدات الأعمال الذي عقد قبل أشهر في فندق إنتركونتننتال في الرياض عندما اهتمت الشركة المنظمة بالتقاط صورة جماعية لعدد من منسوبات الشركة العربيات وغير العربيات معلقة في أعناقهن (باجات) وخلفهن (ستاند) يشير إلى الملتقى الوطني لسيدات الأعمال، وكأن هذا هو الهدف الأول من وراء عقد الملتقيات، أما رفع خلاصة التوصيات إلى الجهات المعنية ومناقشتها ومتابعة تفعيلها، وهو المطلوب والمنتظر، فلا يبدو أنه محل اهتمام أساسي كما هو حاصل بالفعل.
وغني عن القول أن الأهم هو الحرص على فكر المرأة وإبداعاتها وليس التركيز على صورة المرأة، بل إن الطامة الكبرى أن الصورة الجماعية التي نشرتها بعض الصحف تحت عنوان (سيدات أعمال سعوديات في الملتقى الوطني الأول لسيدات الأعمال) لا توجد بينهن واحدة لها علاقة بالاستثمار وقطاع الأعمال، وفي هذا استغفال مخجل واستهتار مشين بصورة المرأة ومكانتها.. ونحن هنا لا نقلل من العاملات ومنسوبات الشركة المنظمة اللواتي ظهرن في الصورة ونحترم عملهن، لكن مصدر الخلل حين ترسل منسوبة الشركة المنظمة والمكلفة للتواصل مع الصحفيات هذه الصورة الجماعية لسيدات لهن مهنهن المحترمة الأخرى ويقال إنهن سيدات أعمال ومستثمرات.
ليس الهدف من إبراز دور المرأة الحرص على إبراز صورتها وإنما نشاطها وفكرها، أما الصورة فتكون مقبولة إذا عكست الواقع الحقيقي، لكن إذا تبين أنها صورة (مفبركة) لمجموعة من السيدات العربيات وغير العربيات ثم توزعها الشركة الخاصة بتنظيم المؤتمر على الصحف على أساس أنهن سيدات أعمال سعوديات فهذا ما لا يمكن تقبله وكان من الواجب أن تتوخى الشركة المنظمة الحذر وأن تعتذر، وبالتالي فإنه لا بد هنا أن تتم الاستفادة من أمثال هذه الأخطاء حتى لا تتكرر.
إن مناقشة تفعيل دور المرأة وإشراكها في القرار هي التي من المفترض أن تحرص عليه تلك المؤتمرات النسائية ولا يمثل الاهتمام بالصورة (المزيفة) إلا دعوة إلى تهميش دورها الحقيقي والإقلال من شأنها. وحتماً لا يقع العتب على الشركة المنظمة فيما يخص هذا الشأن لكنه بكل تأكيد يقع على الجهة الداعية لهذا المؤتمر التي لا بد أن تقف وراء كل صغيرة وكبيرة حول المؤتمر.
مجلس الغرف وغيره من الجهات المنظمة سواء كانت حكومية أو من القطاع الخاص لا بد له أن يحاذر الوقوع في مثل هذه المطبات، ونأمل ألا نكون على موعد مع حدث تعيس آخر قد تكرره هذه الملتقيات في الأشهر المقبلة، خاصة أنها ستعمل على انتهاز الأوضاع والأزمات التي يمر بها الوطن العربي لتحقيق أكبر استفادة مادية ممكنة على حساب المضمون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي