جمعية «ساهر» الخيرية
عندما تجاوزت السرعة المحددة في أحد الطرق السريعة في بريطانيا جاءتني على عنوان المنزل رسالة من إدارة المرور في المدينة تحمل في ثناياها خيارين .. الأول أن أدفع مبلغاً من المال أو أن أحضر دورة لمدة أربع ساعات عن الوعي بآثار السرعة. لقد شعرت بالتقدير والاحترام لإدارة مرور المدينة لأنهم أظهروا أن العقاب المالي ليس مقصوداً في حد ذاته، وأن هدفهم تغيير سلوك قائدي المركبات.
خرجت من الدورة التفاعلية وقد تشبعت بمعلومات حول المنطقية العلمية التي تعتمد عليها آلية تحديد سرعة المركبات في الطرق المختلفة، والنتائج الوخيمة لتجاوز السرعة المحددة على حياة الآخرين وحياتي.
فكرة مشروع ''ساهر'' المطبق حالياً في السعودية رائعة وخطوة نحو الرقي بسلوك أفراد المجتمع، وجزء من مسؤولية جهاز المرور في الحفاظ على سلامة الإنسان التي أغفلت فترة طويلة من الزمن. إلا أن جمال الفكرة لا يعني بالضرورة نجاحها على أرض الواقع، وما مقاومة كثير من أفراد المجتمع لـ ''ساهر ''وعقوباته إلا مؤشر على ذلك.
تأييد ومناصرة أفراد المجتمع كانت عامل نجاح مهما جداً لمشروع ساهر، إلا المادية التي توشح بها المشروع من أول يوم في تطبيقه وتبنيه فكرة الترصد وعدم تسويق المشروع بطريقة مقنعة قبل تطبيقه حول كثير من الناس، ولا سيما الشباب، إلى مقاومين له بدلاً من أن يكونوا مؤيدين له ومؤازرين لفكرته.
إن أبرز مؤشرات نجاح ''ساهر'' هو أن تنغرس فكرة عدم السرعة في منظومة سلوكيات قائدي المركبات سواء كان محاطاً بنظام مراقبة أو لا، وأن يكون الالتزام بالسرعات المحددة عرفا اجتماعيا يشارك المجتمع بشرائحه في الحفاظ عليه ونبذ مخالفيه. وهو أمر مشكوك في تحققه في ظل الأسلوب الحالي لتطبيق ''ساهر''.
عندما نريد أن ندخل قيمة جديدة في منظومة قيم المجتمع فإن أول من يشارك في ذلك هم أفراد المجتمع أنفسهم، ولعل مقاومة بعض المجتمع فكرة ''ساهر'' شعورهم بأنها قيمة تفرض عليهم. ولتحقيق مشاركة مجتمعية منظمة وفاعلة في نشر وتبني قيم السلامة المرورية فإن منظمات القطاع الخيري هي أفضل شريك وخير حليف.
لو حق لنا أن نقيم السلامة المرورية على مدار السنوات الماضية فإن أبلغ نتيجة لن تكون إلا تلك الأرقام السنوية المخيفة عن آلاف الأرواح الزاهقة وعشرات الآلاف من الأجساد النازفة من جراء حوادث المرور. ولأنه لا توجد في طول السعودية وعرضها سوى جمعية خيرية واحدة تعنى بالسلامة المرورية فإن هذا المقال نداء بأن تبادر إدارة المرور بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية بتحفيز المتخصصين وأصحاب التجارب والشباب إلى تكوين جمعيات خيرية في المحافظات الكبيرة تعنى بالمجالات الثلاثة للسلامة المرورية: الطرق، المركبة، والسلوك، وتبتكر للمجتمع أفضل الأساليب وأنجحها لنشر ثقافة مرورية بعيداً عن فلاشات كاميرا ''ساهر'' وعقوباته المالية المتنامية.
بقي القول إن الجهة البريطانية التي قدمت دورة التوعية آنفة الذكر لم تكن سوى جمعية خيرية محلية تعمل مع أكثر من 800 جمعية أخرى تهتم بالسلامة المرورية!